مفهوم الثقافة عند تايلور

 مفهوم الثقافة عند تايلور 

مفهوم الثقافة عند تايلور

يعد إدوارد برنيت تايلور (Edward Burnett Tylor) من أبرز علماء الأنثروبولوجيا الذين ساهموا في تشكيل مفهوم الثقافة في العصر الحديث. قدم تعريفًا للثقافة أصبح أساسًا في الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، حيث اعتبرها مفهومًا شاملًا يضم جميع الممارسات الإنسانية المكتسبة عبر الزمن. يعد تعريف الثقافة عند تايلور نقطة انطلاق لفهم التطورات الفكرية والاجتماعية التي شكلت المجتمعات الحديثة.  

1. تعريف الثقافة عند تايلور  

في كتابه "الثقافة البدائية" (Primitive Culture) الذي نُشر عام 1871، قدم تايلور تعريفًا كلاسيكيًا للثقافة، حيث قال:  

> "الثقافة، أو الحضارة، بمعناها الواسع، هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وأي قدرات أو عادات أخرى يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع."  

 1. شمولية مفهوم الثقافة عند تايلور  

يتميز تعريف الثقافة عند تايلور بشموليته، حيث لا يقتصر على جوانب محددة مثل الفنون أو العلوم، بل يشمل جميع الجوانب الفكرية والمادية والسلوكية التي يكتسبها الإنسان عبر التفاعل مع المجتمع.  

 2. الثقافة كمفهوم مكتسب  

أكد تايلور أن الثقافة ليست فطرية أو موروثة بيولوجيًا، بل هي مكتسبة من خلال التعليم والتفاعل الاجتماعي. وهذا يعني أن الأفراد يتعلمون القيم والمعتقدات والسلوكيات من خلال التنشئة الاجتماعية وليس عبر الوراثة الجينية.  

 3. العلاقة بين الثقافة والمجتمع  

بحسب تايلور، لا يمكن فصل الثقافة عن المجتمع، فهي تشكل الأساس الذي يحدد هوية الجماعات البشرية. فكل مجتمع يمتلك نمطًا ثقافيًا خاصًا به، يتشكل من مجموع الممارسات والعادات التي تنتقل من جيل إلى آخر.  

2. تأثير تعريف تايلور على الدراسات الثقافية  

 1. الثقافة كنظام متكامل  

يعد تعريف الثقافة عند تايلور أحد الأسس التي ساهمت في تشكيل مفهوم الثقافة كنظام متكامل يشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية. فقد أكد أن الثقافة ليست مجرد ممارسات منفصلة، بل هي بنية مترابطة تشمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وغيرها من الأنماط السلوكية التي يكتسبها الإنسان. أدى هذا الفهم إلى:  

- تعزيز فكرة أن أي تغيير في جانب معين من الثقافة يؤثر على الجوانب الأخرى.  

- تطوير دراسات حول كيفية انتقال القيم والعادات بين الأفراد والمجتمعات.  

- الاعتراف بأن الثقافة ليست مقتصرة على الشعوب المتحضرة فقط، بل موجودة في جميع المجتمعات البشرية.  

 2. التأسيس لعلم الأنثروبولوجيا الثقافية  

ساهم تعريف الثقافة عند تايلور في ظهور علم الأنثروبولوجيا الثقافية كحقل دراسي مستقل، حيث اعتبر الثقافة العنصر الأساسي في فهم المجتمعات البشرية. وبفضل تعريفه، بدأ العلماء في تحليل:  

- كيفية انتقال العادات والمعتقدات بين الأجيال المختلفة.  

- تأثير البيئة الاجتماعية والتاريخية في تشكيل الثقافة.  

- الفروق الثقافية بين المجتمعات البشرية وطرق تطورها عبر الزمن.  

 3. تأثيره على نظريات التطور الثقافي  

استند تايلور إلى فكرة أن الثقافة تتطور بشكل تدريجي من البسيط إلى المعقد، مما مهد الطريق لظهور نظريات التطور الثقافي، التي ترى أن المجتمعات تمر بمراحل من التقدم والتحول الثقافي. ونتج عن ذلك:  

- تطوير مفهوم التطور الاجتماعي، الذي يدرس كيفية تطور المجتمعات من البدايات البدائية إلى الحضارات المتقدمة.  

- تعزيز فكرة أن الثقافة ليست ثابتة، بل تخضع للتغيير المستمر عبر التأثر بالعوامل الداخلية والخارجية.  

- وضع الأساس لفهم كيف تتكيف الثقافات مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  

 4. تعزيز دراسات التنوع الثقافي والاختلافات بين المجتمعات  

ساعد تعريف الثقافة عند تايلور الباحثين في دراسة الاختلافات الثقافية بين المجتمعات المختلفة، حيث اعتبر أن كل ثقافة تعبر عن هوية المجتمع الذي تنتمي إليه، وهو ما أدى إلى:  

- تطوير مفهوم النسبية الثقافية، الذي يؤكد أن كل ثقافة يجب أن تُفهم ضمن سياقها الخاص وليس بناءً على معايير ثقافة أخرى.  

- دراسة كيفية انتقال الأفكار والعادات من مجتمع إلى آخر من خلال عمليات مثل الانتشار الثقافي والتفاعل الثقافي.  

- التركيز على تحليل العوامل التي تؤثر في تشكيل الثقافة، مثل البيئة الجغرافية، والتاريخ، والتطور الاقتصادي.  

 5. التأثير على علم الاجتماع والدراسات الحديثة حول الثقافة  

لم يقتصر تأثير تعريف الثقافة عند تايلور على الأنثروبولوجيا فقط، بل امتد ليشمل علم الاجتماع والدراسات الثقافية الحديثة. فقد:  

- ساهم في تعزيز فهم الثقافة كعنصر رئيسي في تشكيل الهوية الاجتماعية للأفراد والجماعات.  

- ساعد في تطوير دراسات حول التغير الثقافي، وكيف تتكيف المجتمعات مع التحولات التكنولوجية والاقتصادية.  

- شكل الأساس لدراسات الإعلام والثقافة الجماهيرية، حيث يتم تحليل تأثير الثقافة على السلوكيات الاجتماعية من خلال وسائل الإعلام الحديثة.  

 6. استخدام تعريف تايلور في تحليل الظواهر الثقافية الحديثة  

رغم أن تعريف الثقافة عند تايلور وُضع في القرن التاسع عشر، إلا أنه لا يزال يُستخدم حتى اليوم في تحليل الظواهر الثقافية المعاصرة. فبفضله، أصبح الباحثون قادرين على دراسة:  

- كيف تؤثر التكنولوجيا الحديثة على الثقافة المعاصرة؟  

- ما دور العولمة في تشكيل الهوية الثقافية؟  

- كيف تتغير القيم والمعتقدات نتيجة التفاعل بين الثقافات المختلفة؟  

كان لتعريف الثقافة عند تايلور تأثير عميق على الدراسات الثقافية، حيث قدم فهمًا شاملاً للثقافة باعتبارها كيانًا متكاملاً يشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية. ساهم هذا التعريف في تطوير علم الأنثروبولوجيا الثقافية، وتعزيز الدراسات حول التنوع الثقافي، ووضع أسس لنظريات التطور الثقافي، مما جعله نقطة انطلاق لفهم الثقافة في سياقاتها المختلفة. وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على هذا التعريف، إلا أنه لا يزال يستخدم كأساس لتحليل التحولات الثقافية والاجتماعية التي يشهدها العالم اليوم.

 الخاتمة   

يعد مفهوم الثقافة عند تايلور نقطة تحول في الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، حيث قدم تعريفًا شاملًا للثقافة باعتبارها كيانًا مركبًا يضم المعرفة والمعتقدات والفنون والقوانين والعادات وجميع القدرات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. هذا التعريف، الذي ظهر في كتابه "الثقافة البدائية" عام 1871، وضع الأساس للدراسات الثقافية الحديثة، وساهم في ترسيخ مفهوم الثقافة كنظام متكامل يوجه السلوك البشري ويتطور عبر الزمن.

كان لتعريف الثقافة عند تايلور أثر بالغ في نشوء علم الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث فتح الباب أمام دراسة الفروق الثقافية بين المجتمعات وتحليل كيفية انتقال القيم والعادات عبر الأجيال. كما عزز مفهوم التطور الثقافي، الذي يرى أن المجتمعات تمر بمراحل تطورية من البساطة إلى التعقيد، مما أثر على الأبحاث اللاحقة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.

ساعد تعريف تايلور في تعزيز دراسة التنوع الثقافي، حيث أدرك الباحثون أن الثقافة ليست حكرًا على المجتمعات المتقدمة، بل موجودة في جميع المجتمعات البشرية، بغض النظر عن مستواها الاقتصادي أو الاجتماعي. كما ساهم في ترسيخ مبدأ النسبية الثقافية، الذي يدعو إلى فهم كل ثقافة ضمن سياقها الخاص دون إصدار أحكام قيمية عليها.

ورغم مرور أكثر من قرن على هذا التعريف، لا يزال مفهوم الثقافة عند تايلور حاضرًا في الدراسات الأكاديمية، حيث يتم استخدامه في تحليل التحولات الثقافية الحديثة، مثل تأثير العولمة والتكنولوجيا على القيم والممارسات الاجتماعية. لقد شكّل تعريفه الأساس لفهم الثقافة كعملية ديناميكية تتطور باستمرار، مما جعله أحد المفاهيم الأكثر تأثيرًا في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا حتى اليوم.

مراجع 

1."الثقافة البدائية"

المؤلف: إدوارد بيرنت تايلور​

الوصف: يُعتبر هذا الكتاب من الأعمال الرائدة في علم الأنثروبولوجيا، حيث يقدم تايلور تعريفه الشامل للثقافة ويستعرض تطورها عبر المجتمعات البدائية.​

المصدر

2."في تعريف الثقافة وتأويلها"

المؤلف: مجموعة من الباحثين

الوصف: يتناول الكتاب تعريفات متعددة للثقافة وتأويلاتها، مع التركيز على تطور مفهوم الثقافة في الدراسات الأنثروبولوجية.​

المصدر

3."تأويل الثقافات"

المؤلف: كليفورد غيرتز

الوصف: يقدم غيرتز مقالات تحليلية حول مفهوم الثقافة وتأويلها في سياقات مختلفة، مع التركيز على الرموز والمعاني في المجتمعات البشرية.​

المصدر

4."قراءة في 'مفهوم الثقافة والمثقفين'"

المؤلف: سليمان الضحيان

الوصف: يستعرض الكتاب مفهوم الثقافة والمثقف، مع تحليل لتطور هذه المفاهيم في السياق العربي والغربي.​

المصدر

5."في ماهية الثقافة ومميزاتها"

المؤلف: مجموعة من الباحثين  

الوصف: يتناول الكتاب ماهية الثقافة وخصائصها، مع مقارنة بين النظريات المختلفة حول مفهوم الثقافة.​

المصدر

6."الثقافة: إعادة إنتاج.. قراءة في السياق والمفهوم"

المؤلف: مجموعة من الباحثين​

الوصف: يستعرض الكتاب كيفية إعادة إنتاج الثقافة وتأثير السياق الاجتماعي على مفهوم الثقافة وتطوره.​


تعليقات