عجائب الدنيا السبع الحديثة وتأثيرها

عجائب الدنيا السبع الحديثة

في عام 2007، أعلنت مؤسسة "نيو سيفن وندرز" (New Seven Wonders) السويسرية نتائج تصويت عالمي شارك فيه أكثر من 100 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم لاختيار عجائب الدنيا السبع الحديثة. جاءت هذه المبادرة بعد أن اندثرت ستة من عجائب الدنيا السبع القديمة، ولم يبق منها سوى الهرم الأكبر في الجيزة. وقد هدفت هذه المبادرة إلى إحياء الاهتمام بالتراث الإنساني العالمي وتعزيز الوعي بضرورة الحفاظ عليه للأجيال القادمة.

تتميز عجائب الدنيا السبع الحديثة بتنوعها الثقافي والجغرافي، فهي تمثل حضارات مختلفة ومناطق متباعدة من العالم، وتعكس إبداعات بشرية استثنائية عبر عصور مختلفة. في هذا المقال، سنستعرض كل واحدة من هذه العجائب، متناولين تاريخها وأهميتها الثقافية والحضارية وما تمثله من قيمة للإنسانية جمعاء.

1. سور الصين العظيم

يُعد سور الصين العظيم أطول بناء شيده الإنسان على وجه الأرض، ويمتد على مسافة تقدر بحوالي 21,196 كيلومتراً عبر المناطق الشمالية من الصين. بدأ بناء أجزاء من السور منذ القرن السابع قبل الميلاد، لكن الجزء الأكبر منه تم بناؤه خلال عهد أسرة مينغ (1368-1644 ميلادية).

كان الهدف الأساسي من بناء السور هو حماية الإمبراطورية الصينية من غزوات القبائل البدوية الشمالية، لكنه كان أيضاً وسيلة للسيطرة على طرق التجارة والهجرة. تطلب بناء السور جهوداً بشرية هائلة، حيث عمل فيه ملايين العمال والجنود والمزارعين والسجناء على مدى قرون، وتوفي منهم أعداد كبيرة أثناء العمل حتى أطلق عليه "أطول مقبرة في العالم".

يتكون السور من سلسلة من الجدران والأبراج والحصون والممرات، ويتراوح ارتفاعه بين 5 و8 أمتار، وعرضه بين 4 و5 أمتار. استخدمت في بنائه مواد مختلفة حسب المنطقة، من الحجارة والطوب والتراب المدكوك والخشب.

رغم أن السور لم ينجح دائماً في صد الغزاة، إلا أنه يمثل إنجازاً هندسياً وعسكرياً مذهلاً، ويعكس عبقرية الحضارة الصينية وقدرتها على تنظيم مشاريع ضخمة. اليوم، أصبح السور رمزاً للصين ووجهة سياحية عالمية يزورها ملايين السياح سنوياً.

3. مدينة البتراء

تُعرف البتراء، الواقعة في جنوب الأردن، بأنها "المدينة الوردية" نظراً للون صخورها المميز، وهي من أروع المدن الأثرية في العالم. بُنيت البتراء على يد الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد، واتخذوها عاصمة لمملكتهم.

تقع المدينة في وادٍ ضيق محاط بالجبال الصخرية، ويمكن الوصول إليها فقط عبر ممر ضيق يسمى "السيق" يبلغ طوله حوالي 1.2 كيلومتر وتحيط به جدران صخرية يصل ارتفاعها إلى 80 متراً. هذا الموقع الطبيعي المحصن ساعد على حماية المدينة وجعلها نقطة استراتيجية مهمة على طرق التجارة القديمة بين الجزيرة العربية ومصر وسوريا.

تتميز البتراء بمبانيها المنحوتة مباشرة في الصخر الوردي، وأشهرها "الخزنة" التي تظهر فجأة أمام الزائر عند نهاية السيق، وهي واجهة منحوتة بدقة متناهية يبلغ ارتفاعها 43 متراً. إضافة إلى الخزنة، تضم البتراء العديد من المعالم الأثرية المهمة مثل الدير والمسرح الروماني والمعابد والقصور والمقابر المنحوتة في الصخر.

ظلت البتراء مدينة مزدهرة حتى القرن الثاني الميلادي، ثم بدأت في الانحدار تدريجياً مع تغير طرق التجارة. وبعد الزلزال المدمر الذي ضربها عام 363 ميلادية، هُجرت المدينة وطواها النسيان لقرون طويلة، إلى أن أعاد اكتشافها المستكشف السويسري يوهان لودفيغ بوركهارت عام 1812.

اليوم، تعتبر البتراء من أهم المواقع الأثرية في العالم، وتجذب مئات الآلاف من السياح سنوياً، وهي تمثل شاهداً على عبقرية الحضارة النبطية وقدرتها على التكيف مع البيئة الصحراوية القاسية.

3. تمثال المسيح الفادي

يقف تمثال المسيح الفادي شامخاً على قمة جبل كوركوفادو المطل على مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وهو من أشهر المعالم في البرازيل وأحد الرموز المسيحية الأكثر شهرة في العالم.

بدأ بناء التمثال عام 1922 واكتمل عام 1931، وكان بمثابة تكريم للذكرى المئوية لاستقلال البرازيل. صمم التمثال النحات البرازيلي هيتور دا سيلفا كوستا، ونفذه المهندس الفرنسي بول لاندوفسكي. يبلغ ارتفاع التمثال 30 متراً، ويقف على قاعدة ارتفاعها 8 أمتار، ويزن حوالي 635 طناً.

يُظهر التمثال المسيح واقفاً بذراعين ممدودتين على شكل صليب، كما لو كان يحتضن المدينة بأكملها. صُنع من الخرسانة المسلحة وغُطي بآلاف القطع من حجر الصابون، وهو حجر له خاصية مقاومة التآكل والأمطار، مما ساعد التمثال على الصمود في وجه العوامل الجوية.

يستقطب تمثال المسيح الفادي ملايين الزوار سنوياً من جميع أنحاء العالم، وأصبح رمزاً لمدينة ريو دي جانيرو والبرازيل بأكملها. ومن قمة الجبل، يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة بانورامية رائعة على المدينة وخليج غوانابارا والمحيط الأطلسي.

4. ماتشو بيتشو

تقع مدينة ماتشو بيتشو الأثرية على ارتفاع 2430 متراً فوق سطح البحر في جبال الأنديز البيروفية، وهي من أروع المواقع الأثرية في العالم وأكثرها غموضاً.

بُنيت ماتشو بيتشو في القرن الخامس عشر الميلادي خلال ذروة الإمبراطورية الإنكا، ويُعتقد أنها كانت مقراً ملكياً للإمبراطور باتشاكوتيك وربما كانت أيضاً موقعاً دينياً مهماً. تُظهر هندسة المدينة وتخطيطها براعة فائقة، فقد تم بناؤها بطريقة تتناغم تماماً مع الطبيعة المحيطة بها، وبنيت مدرجاتها الزراعية بدقة متناهية لاستغلال المنحدرات الجبلية في الزراعة.

تمتد المدينة على مساحة 5 كيلومترات مربعة، وتضم أكثر من 150 مبنى بين معابد وقصور ومنازل سكنية ومخازن. ومن أبرز معالمها معبد الشمس، وبرج المراقبة، والحجر المقدس (انتيهواتانا) الذي كان يستخدم كساعة شمسية ومرصد فلكي.

هُجرت ماتشو بيتشو بعد الغزو الإسباني للإمبراطورية الإنكا، وظلت منسية إلى أن أعاد اكتشافها عالم الآثار الأمريكي هيرام بينغهام عام 1911. ونظراً لموقعها النائي والمنعزل، فقد نجت من التدمير على يد الغزاة الإسبان، وبقيت محفوظة بشكل جيد عبر القرون.

تشكل ماتشو بيتشو اليوم وجهة سياحية رئيسية في البيرو، ومصدراً مهماً للدخل القومي. وقد تم وضع قيود على عدد الزوار اليومي للحفاظ على الموقع من التلف الناتج عن السياحة الكثيفة.

5. مدينة تشيتشن إيتزا

تقع مدينة تشيتشن إيتزا الأثرية في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك، وهي من أهم وأكبر المدن الأثرية لحضارة المايا. ازدهرت المدينة في الفترة ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلادي، وكانت مركزاً سياسياً ودينياً واقتصادياً مهماً في المنطقة.

تمتد المدينة على مساحة 10 كيلومترات مربعة، وتضم العديد من المباني والمعالم الأثرية المهمة، وأشهرها هرم كوكولكان (أو الكاستيلو) الذي يبلغ ارتفاعه 30 متراً. يتميز هذا الهرم بتصميمه الفلكي المذهل، ففي يومي الاعتدال الربيعي والخريفي، تشكل الظلال على جوانب الهرم شكل ثعبان ينزل من الأعلى إلى الأسفل، وهي ظاهرة فلكية تدل على براعة علماء المايا في علم الفلك.

إلى جانب الهرم، تضم المدينة ملعباً كبيراً للعبة الكرة المقدسة، ومعبد المحاربين، وبرج المراقبة الفلكي (الكاراكول)، ومجموعة من الأعمدة المنحوتة تسمى "ألف عمود"، إضافة إلى بئر مقدس (سينوت) كان يستخدم للطقوس الدينية وتقديم القرابين.

تعكس مدينة تشيتشن إيتزا تطور حضارة المايا في العمارة والفن والعلوم، وخاصة علم الفلك والرياضيات. واليوم، تُعد من أهم المواقع الأثرية في المكسيك وتجذب ملايين السياح سنوياً.

6. الكولوسيوم الروماني

يُعد الكولوسيوم (أو المدرج الفلافي) في روما أحد أروع المباني في تاريخ العمارة الرومانية وأكبر مدرج بُني في العالم القديم. بدأ بناؤه عام 72 ميلادية في عهد الإمبراطور فسباسيان، واكتمل عام 80 ميلادية في عهد ابنه تيتوس.

يتخذ الكولوسيوم شكلاً بيضاوياً، يبلغ طوله 188 متراً وعرضه 156 متراً وارتفاعه 48 متراً. كان يتسع لحوالي 50 ألف إلى 80 ألف متفرج، وكان يستخدم لإقامة المصارعات بين المصارعين (الغلاديتورز) أو بين البشر والحيوانات المفترسة، إضافة إلى العروض العامة مثل إعادة تمثيل المعارك البحرية والبرية الشهيرة.

يتكون الكولوسيوم من أربعة طوابق، وكانت واجهته مكسوة بالرخام وتحتوي على تماثيل برونزية ضخمة. وكان مزوداً بنظام معقد من الممرات والسلالم والمصاعد لتنظيم حركة الجمهور والمصارعين والحيوانات. كما كان مجهزاً بنظام غطاء قابل للطي (فيلاريوم) لحماية المتفرجين من الشمس والمطر.

خلال القرون الوسطى، تعرض الكولوسيوم للإهمال والنهب، واستخدمت أحجاره في بناء مبانٍ أخرى في روما. ورغم ذلك، فقد نجا جزء كبير منه، ويعد اليوم رمزاً للإمبراطورية الرومانية وشاهداً على عظمتها.

7. تاج محل

يُعتبر تاج محل من أجمل الأبنية في العالم وأروع الأمثلة على فن العمارة الإسلامية والمغولية في الهند. بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان بين عامي 1632 و1653 تخليداً لذكرى زوجته المحبوبة ممتاز محل (الملقبة بـ"تاج محل") التي توفيت أثناء ولادة طفلهما الرابع عشر.

يقع تاج محل على ضفاف نهر يامونا في مدينة أغرا شمال الهند، وهو مبني بالكامل من الرخام الأبيض الناصع المطعم بالأحجار الكريمة والشبه كريمة. يتخذ المبنى شكلاً متناظراً بشكل مثالي، ويعلوه قبة مركزية كبيرة محاطة بأربع قباب أصغر حجماً.

يقف تاج محل في وسط حديقة مربعة الشكل مقسمة إلى أربعة أقسام متساوية، تتخللها قنوات مائية ونافورات، وتحيط بها جدران مرتفعة من ثلاث جهات، بينما تنفتح الجهة الرابعة على نهر يامونا. ويحتوي المبنى نفسه على مسجد من الحجر الرملي الأحمر على جانبه الغربي، ومبنى مماثل على الجانب الشرقي لتحقيق التناظر الكامل.

استغرق بناء تاج محل حوالي 22 عاماً، وعمل فيه أكثر من 20 ألف عامل وألف فيل لنقل مواد البناء. ويُعتقد أن تكلفة بنائه بلغت حوالي 32 مليون روبية، وهو ما يعادل مليارات الدولارات بقيمة اليوم.

يُعد تاج محل اليوم رمزاً للهند وأحد أشهر معالمها السياحية، ويزوره ما بين 7 و8 ملايين سائح سنوياً. وهو يمثل قصة حب خالدة ومثالاً رائعاً على تلاقح الثقافات في الفن والعمارة، حيث يجمع بين عناصر من العمارة الإسلامية والفارسية والهندية والتركية.

 تأثير عجائب الدنيا السبع الحديثة وقيمتها الحضارية

عجائب الدنيا السبع الحديثة تمثل تجسيدًا حيًّا لعبقرية الإنسان عبر العصور، وقد تركت أثرًا حضاريًا وثقافيًا عميقًا يتجاوز حدود الجغرافيا، فهي ليست مجرد معالم سياحية، بل رموز لهويات شعوب وتجارب إنسانية فريدة.

 1. تعزيز الوعي التاريخي والهوية الثقافية  

كل عجيبة من العجائب تحمل إرث أمة كاملة، تعبر عن لغتها، معتقداتها، إنجازاتها، وفنها المعماري. فتاج محل، مثلًا، يُجسد روعة الفن الإسلامي والهندي، وسور الصين العظيم يُعبر عن قوة الإرادة والدفاع عن الوطن. هذه المواقع تعزز من شعور الانتماء وتذكّر الأجيال بتاريخهم الحضاري العريق.

 2. تحفيز السياحة الثقافية والاقتصاد المحلي  

تحولت هذه العجائب إلى مراكز جذب سياحي ضخمة، تدر مليارات الدولارات سنويًا، وتوفر فرص عمل لسكان المناطق المحيطة بها، كما تُسهم في تنشيط قطاعات متعددة كالفنادق والنقل والمطاعم والحرف التقليدية.

 3. تعزيز الحوار الحضاري والتنوع الثقافي  

بفضل شهرتها العالمية، أصبحت عجائب الدنيا الحديثة منصات للتلاقي الحضاري، حيث يزور السياح من مختلف الجنسيات هذه المواقع، مما يُعزز التفاهم والتسامح بين الثقافات، ويُقلل من الصور النمطية.

 4. دورها في حماية التراث العالمي  

اختيار هذه العجائب جاء ليُسلّط الضوء على أهمية الحفاظ على التراث الإنساني، وقد دفعت دولًا ومنظمات إلى دعم مشاريع الترميم، والحفاظ على المواقع التاريخية الأخرى، باعتبارها ملكًا للإنسانية جمعاء.

 5. أثرها في التعليم والإلهام الفني  

تُستخدم هذه العجائب في المناهج الدراسية، والأعمال الأدبية والفنية، كمصادر للإلهام والجمال والبحث المعرفي، وتُعد أدوات فعالة في نشر قيم الجمال والإبداع والإرادة.

عجائب الدنيا السبع الحديثة ليست فقط تحفًا معمارية، بل جسور بين الماضي والحاضر، ورموز لوحدة الإنسان عبر اختلافاته، وقيمتها الحضارية تتجلّى في قدرتها على الجمع بين الجمال، والهوية، والتاريخ، والاقتصاد، والحوار العالمي.

 خاتمة

تمثل عجائب الدنيا السبع الحديثة خلاصة الإبداع البشري عبر العصور، وتعكس قدرة الإنسان على تجاوز العقبات والتحديات في سبيل تحقيق رؤيته. إنها توفر لنا نافذة للنظر إلى الماضي وفهم كيف عاشت الحضارات السابقة، كما أنها تلهمنا للمستقبل وتذكرنا بما يمكن أن نحققه عندما نجمع بين العزيمة والإبداع والمثابرة.

من المهم أن نحافظ على هذه العجائب للأجيال القادمة، وأن نستمر في دراستها وفهمها بعمق أكبر. فهي ليست مجرد مواقع سياحية، بل هي كتاب مفتوح من تاريخ البشرية، كل عجيبة منها تروي قصة فريدة عن شعب وحضارة وعصر، وجميعها معاً تشكل سجلاً حافلاً للإنجاز الإنساني.

مراجع