بحث حول نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية

نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية

بحث حول نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية

الأنثروبولوجيا الثقافية هي فرع من فروع الأنثروبولوجيا يهتم بدراسة الثقافة الإنسانية، بما في ذلك العادات، والتقاليد، واللغات، والمؤسسات الاجتماعية، والأنظمة الاقتصادية والسياسية التي تشكل حياة المجتمعات المختلفة. تعود جذور هذا العلم إلى التساؤلات الفلسفية المبكرة حول طبيعة الإنسان وتطوره، لكنه تطور بشكل علمي خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مع ظهور نظريات جديدة تفسر التغير الثقافي والتفاعل بين الشعوب. وقد ساهمت التطورات الفكرية، والاستعمار، والاكتشافات الجغرافية في تشكيل أسس هذا المجال العلمي، مما جعله واحدًا من أبرز العلوم الاجتماعية التي تعنى بفهم التنوع الثقافي البشري.  

 1. الجذور الفكرية والفلسفية للأنثروبولوجيا الثقافية  

شهدت الأنثروبولوجيا الثقافية تطورًا طويلًا بدأ منذ العصور القديمة، حيث شكلت الفلسفات الأولى والاهتمام المبكر بالإنسان والمجتمع الأساس لهذا العلم. لقد ساهمت العديد من الفلسفات الفكرية والاجتماعية، بدءًا من الفلسفة الإغريقية وصولًا إلى الفكر الحديث، في بلورة الأنثروبولوجيا الثقافية كمجال مستقل لدراسة الإنسان وثقافاته المتنوعة.  

 1. الفلسفة الإغريقية وتأثيرها في نشأة الفكر الأنثروبولوجي  

 أ. هيرودوت وأول دراسة مقارنة للثقافات  

يعتبر المؤرخ الإغريقي هيرودوت (484-425 ق.م) أحد أوائل المفكرين الذين اهتموا بوصف وتفسير الاختلافات الثقافية بين الشعوب. فقد سافر إلى مناطق مختلفة مثل مصر، وبلاد فارس، وسجل ملاحظاته حول عادات الشعوب ونظمهم الاجتماعية والدينية، مما يمكن اعتباره شكلًا مبكرًا من البحث الأنثروبولوجي الإثنوغرافي. كان تركيزه على المقارنة بين المجتمعات المختلفة، مثل مقارنة العادات المصرية بالعادات الإغريقية، نموذجًا أوليًا لما أصبح فيما بعد جزءًا أساسيًا من المنهج الأنثروبولوجي.  

 ب. أفلاطون وأرسطو ونظريات المجتمع البشري  

تناول الفيلسوف أفلاطون (427-347 ق.م) في كتابه الجمهورية فكرة المجتمع المثالي، وناقش تأثير القيم الثقافية والتنشئة الاجتماعية في تشكيل الأفراد. كما طرح مفهومًا بدائيًا لنسبية الثقافة، حيث رأى أن لكل مجتمع نظامه الاجتماعي الذي يتناسب مع طبيعته.  

أما أرسطو (384-322 ق.م)، فقد ركز في كتابه السياسة على دراسة أنظمة الحكم والعلاقات الاجتماعية، وأكد على أن الثقافة والمجتمع يتطوران وفقًا لاحتياجات الإنسان الأساسية. كما قدم أفكارًا حول كيفية تشكل العادات والتقاليد وتأثير البيئة على الاختلافات الثقافية بين الشعوب.  

 2. الفكر الاجتماعي في العصور الوسطى والنهضة  

 أ. الفكر الديني وتأثيره في دراسة المجتمعات  

في العصور الوسطى، هيمنت التفسيرات الدينية على دراسة الإنسان والمجتمع، حيث كانت معظم المحاولات لفهم الثقافات الأخرى تتم من خلال منظور ديني، يرى أن المجتمعات تختلف بناءً على قربها أو بعدها عن القيم الدينية المسيحية أو الإسلامية.  

في العالم الإسلامي، أسهم ابن خلدون (1332-1406) في وضع أسس الفكر الاجتماعي والأنثروبولوجي من خلال كتابه المقدمة، حيث ناقش تطور المجتمعات ونشوء الحضارات، وأكد على أن الثقافة تتشكل من خلال التفاعل بين العوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وقد وضع نظريات حول البدو والحضر، ونشوء السلطة، مما جعله أحد الرواد في الفكر الاجتماعي القريب من الأنثروبولوجيا الثقافية.  

 ب. عصر النهضة وبداية التفكير العلمي حول الإنسان  

مع بداية عصر النهضة في القرن الخامس عشر، بدأت الدراسات المتعلقة بالإنسان والمجتمع تتجه نحو المنهج العلمي بعيدًا عن التفسيرات الدينية المطلقة. تأثرت هذه المرحلة بالاكتشافات الجغرافية، حيث التقى الأوروبيون بحضارات مختلفة في إفريقيا وآسيا والأمريكتين، مما أثار التساؤلات حول أسباب تنوع الثقافات وظهور المجتمعات المختلفة.  

من أبرز المفكرين في هذه المرحلة:  

- ميكافيلي (1469-1527) الذي ناقش في كتابه الأمير تأثير العوامل السياسية والاجتماعية على تشكيل الثقافة.  

- توماس هوبز (1588-1679) الذي قدم نظريات حول طبيعة الإنسان والمجتمع في كتابه اللوياثان، حيث اعتبر أن الثقافة تنشأ من الحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد.  

 3. عصر التنوير والتمهيد لنشوء الأنثروبولوجيا الثقافية  

شهد القرن الثامن عشر صعود عصر التنوير، الذي ركز على استخدام العقل والمنهج العلمي في دراسة المجتمعات والثقافات. تميزت هذه المرحلة بظهور أفكار جديدة حول تطور الإنسان والثقافة، وسعت إلى تفسير الاختلافات بين الشعوب على أسس عقلانية وليست دينية أو عرقية.  

 أ. جان جاك روسو ونظرية "الإنسان الطبيعي"  

اقترح جان جاك روسو (1712-1778) أن الإنسان كان يعيش في حالة طبيعية قبل ظهور المجتمعات المنظمة، وأن الثقافة هي التي شكلت حياته الاجتماعية والسياسية. في كتابه العقد الاجتماعي، ناقش كيف أن المجتمعات تتطور وفقًا لاحتياجات الأفراد، مما ساهم في تأسيس فكرة أن الثقافة ليست ثابتة، بل متغيرة عبر الزمن.  

 ب. فولتير ونقد المركزية الأوروبية  

كان فولتير (1694-1778) أحد المفكرين الذين رفضوا فكرة أن الثقافة الأوروبية هي المعيار الوحيد للتحضر، حيث دعا إلى الاعتراف بقيمة الثقافات الأخرى، ورفض النظرة الاستعلائية تجاه الشعوب غير الأوروبية. وقد ساهمت أفكاره في تطور مفهوم "نسبية الثقافة"، وهو مفهوم أصبح محوريًا في الأنثروبولوجيا الحديثة.  

 ج. إيمانويل كانط ونظرية المعرفة الثقافية  

تناول إيمانويل كانط (1724-1804) في كتاباته فكرة أن المعرفة البشرية تعتمد على التجربة والتفاعل مع البيئة، مما يعني أن الثقافة هي نتاج لتراكم المعرفة والتجارب الإنسانية. وقد مهدت هذه الأفكار الطريق لدراسة الثقافة من منظور تطوري وتاريخي.  

 4. القرن التاسع عشر وبداية الأنثروبولوجيا كنظام علمي  

مع الثورة الصناعية والاهتمام المتزايد بالعلوم الاجتماعية، بدأ العلماء في تطوير نظريات تفسر كيفية نشوء الثقافات وتطورها. وقد شهد هذا القرن ظهور مفكرين مثل:  

- إدوارد تايلور (1832-1917) الذي قدم أول تعريف علمي للثقافة، واعتبرها "مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات التي يكتسبها الإنسان كجزء من المجتمع".  

- لويس هنري مورغان (1818-1881) الذي درس المجتمعات البشرية وقسمها إلى مراحل تطورية: الهمجية، والبربرية، والحضارة، مما ساهم في ظهور الأنثروبولوجيا الثقافية كنظام علمي مستقل.  

تُظهر الجذور الفكرية والفلسفية للأنثروبولوجيا الثقافية كيف أن دراسة الإنسان وثقافته تطورت عبر العصور، بدءًا من التأملات الفلسفية الإغريقية، مرورًا بالفكر الديني في العصور الوسطى، وصولًا إلى عصر التنوير والقرن التاسع عشر حيث أصبحت الأنثروبولوجيا علمًا قائمًا بذاته. وقد ساهمت هذه التحولات الفكرية في وضع الأسس التي تعتمد عليها الأنثروبولوجيا الثقافية الحديثة، حيث أصبح هذا العلم يهتم بدراسة التنوع الثقافي من منظور علمي بعيدًا عن الأحكام المسبقة والمركزية الثقافية.

 2. ظهور الأنثروبولوجيا الثقافية كعلم مستقل  

شهد القرن التاسع عشر تحول الأنثروبولوجيا الثقافية من كونها مجرد تأملات فلسفية وملاحظات وصفية إلى علم مستقل يعتمد على المناهج العلمية والميدانية لدراسة الثقافات المختلفة. ويرتبط ظهور هذا العلم بعدة عوامل، أبرزها التوسع الاستعماري، والتطورات الفكرية، والتقدم في العلوم الاجتماعية والطبيعية، مما أدى إلى صقل المفاهيم والأساليب البحثية الخاصة بالأنثروبولوجيا الثقافية.  

 أ. القرن التاسع عشر وتطور نظريات الثقافة  

 1. التوسع الاستعماري ودوره في تطور الأنثروبولوجيا  

مع توسع الإمبراطوريات الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، ازداد احتكاك الأوروبيين بالشعوب غير الغربية، مما أثار تساؤلات حول طبيعة هذه الثقافات وطرق تنظيمها الاجتماعي. وقد شجعت الحكومات الاستعمارية العلماء على دراسة المجتمعات المحلية، ليس فقط بدافع الفضول العلمي، ولكن أيضًا لفهم البنى الثقافية والإدارية لهذه الشعوب من أجل السيطرة عليها بشكل أكثر فاعلية. وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات الأنثروبولوجية المبكرة حملت طابعًا استعماريًا، فإنها ساهمت في جمع معلومات قيمة حول التنوع الثقافي في العالم.  

 2. تأثير نظرية التطور الداروينية على الأنثروبولوجيا الثقافية  

مع نشر تشارلز داروين (1809-1882) لنظريته عن التطور في كتاب أصل الأنواع (1859)، بدأ علماء الأنثروبولوجيا في تطبيق مفاهيم التطور البيولوجي على المجتمعات البشرية، مما أدى إلى ظهور "النظرية التطورية الثقافية". وقد تبنى العديد من المفكرين هذه الفكرة، معتبرين أن الثقافات تمر بمراحل تطور مشابهة لتطور الكائنات الحية، حيث تنتقل المجتمعات من مراحل "بدائية" إلى مراحل "متقدمة".  

 3. إدوارد تايلور وتأسيس مفهوم الثقافة  

يعد إدوارد بيرنت تايلور (1832-1917) أحد رواد الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث قدم أول تعريف علمي للثقافة في كتابه الثقافة البدائية (1871). عرف تايلور الثقافة بأنها:  

> "ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان باعتباره عضوًا في المجتمع."  

اعتمد تايلور على المنهج المقارن في دراسة الثقافات، حيث حاول تتبع تطور الممارسات الثقافية عبر الشعوب المختلفة، مما ساهم في وضع الأساس لدراسة الثقافة ككيان مستقل عن العنصر البيولوجي.  

 4. لويس هنري مورغان ونظرية المراحل التطورية للمجتمعات  

اقترح لويس هنري مورغان (1818-1881) نظرية تنموية للمجتمعات، حيث قسمها إلى ثلاث مراحل رئيسية:  

- الهمجية: حيث يعتمد الإنسان على الصيد والجمع.  

- البربرية: حيث تظهر الزراعة والاستقرار الاجتماعي.  

- الحضارة: حيث تتطور الكتابة والعلوم والأنظمة السياسية المعقدة.  

رغم الانتقادات التي وُجهت لهذه النظرية، إلا أنها شكلت خطوة مهمة في دراسة تطور الثقافات والمجتمعات البشرية.  

 ب. القرن العشرين وتطور المناهج الأنثروبولوجية  

 1. التحول من النظريات التطورية إلى الدراسات الميدانية  

مع بداية القرن العشرين، بدأ علماء الأنثروبولوجيا في الابتعاد عن التفسيرات التطورية العامة، وركزوا على دراسة الثقافات من خلال الملاحظة المباشرة والعمل الميداني. وأدى هذا التحول إلى تطوير مناهج جديدة أكثر دقة وموضوعية لفهم التنوع الثقافي.  

 2. فرانز بواس: الأب المؤسس للأنثروبولوجيا الحديثة  

يُعتبر فرانز بواس (1858-1942) أحد أهم الشخصيات في تاريخ الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث رفض النظريات التطورية التي تفترض أن جميع الثقافات تمر بمراحل تطور متشابهة. بدلاً من ذلك، دعا بواس إلى دراسة كل ثقافة على حدة لفهمها في سياقها الخاص، مما أدى إلى ظهور ما يعرف بـ المنهج التاريخي الثقافي.  

من أهم إسهامات بواس:  

- التركيز على العمل الميداني المباشر، حيث قام بإجراء دراسات معمقة حول ثقافات السكان الأصليين في أمريكا الشمالية.  

- التأكيد على نسبية الثقافة، مما يعني أن كل ثقافة يجب أن تُفهم وفقًا لقيمها الداخلية وليس بناءً على معايير الثقافات الأخرى.  

- وضع الأساس للتمييز بين العرق والثقافة، حيث أثبت أن الاختلافات الثقافية لا ترتبط بالاختلافات البيولوجية، وهو ما ساعد في تفنيد الأفكار العنصرية السائدة في ذلك الوقت.  

 3. برونيسلاف مالينوفسكي وتطوير المنهج الوظيفي  

قدم برونيسلاف مالينوفسكي (1884-1942) مقاربة جديدة في دراسة الثقافات تُعرف بـ الوظيفية، والتي ترى أن كل عنصر في الثقافة يلعب دورًا في الحفاظ على استقرار المجتمع. من أبرز إسهاماته:  

- تطوير العمل الميداني المكثف، حيث عاش بين سكان جزر تروبرياند في المحيط الهادئ، وسجل عاداتهم وتقاليدهم بطريقة دقيقة.  

- تحليل الأنظمة الاقتصادية غير النقدية، مثل التبادل الاجتماعي المعروف بـ نظام الكولا.  

- التأكيد على أن الثقافة ليست مجرد تراكم للتقاليد، بل هي نظام متكامل يخدم احتياجات الأفراد والمجتمع.  

 4. كلود ليفي شتراوس والبنيوية في الأنثروبولوجيا  

في منتصف القرن العشرين، قدم كلود ليفي شتراوس (1908-2009) منهج البنيوية، الذي يفترض أن كل ثقافة تتكون من أنماط فكرية متكررة تعكس البنية العقلية للإنسان. من أبرز إسهاماته:  

- تحليل الأساطير والرموز الثقافية، حيث رأى أن جميع الثقافات تشترك في أنماط فكرية متشابهة.  

- التركيز على الثنائية الضدية (مثل الخير والشر، الحياة والموت)، باعتبارها أساسًا للتفكير الثقافي.  

- تطبيق المناهج اللغوية الحديثة في دراسة الثقافة، مما ساعد في تطوير دراسات الأنثروبولوجيا الرمزية.  

شهد ظهور الأنثروبولوجيا الثقافية كعلم مستقل تحولات فكرية ومنهجية كبرى، حيث انتقلت من الملاحظات الفلسفية والمقارنات التطورية إلى الدراسات الميدانية والتحليل العلمي العميق للثقافات. وقد ساهم علماء مثل إدوارد تايلور، وفرانز بواس، ومالينوفسكي، وليفي شتراوس في وضع الأسس العلمية لدراسة الثقافة، مما جعل الأنثروبولوجيا الثقافية واحدة من أهم فروع العلوم الاجتماعية. ومع استمرار تطور المجتمعات، يظل هذا العلم ضروريًا لفهم التغيرات الثقافية والتفاعل بين الشعوب في عالم يتجه نحو العولمة والتكنولوجيا المتقدمة.

 3. تطور الأنثروبولوجيا الثقافية في العصر الحديث  

شهد القرن العشرون والقرن الحادي والعشرون تحولات كبيرة في الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث توسعت مجالات البحث وتطورت المناهج العلمية لتشمل جوانب جديدة من الثقافة والمجتمع. ومع ظهور العولمة والتكنولوجيا الرقمية، أصبح للأنثروبولوجيا الثقافية دور متزايد في تحليل الظواهر الحديثة، مثل التفاعل الثقافي، والهوية، والاقتصاد السياسي، والتغيرات الاجتماعية الناتجة عن الابتكارات العلمية والتكنولوجية.  

 أ. التأثيرات الحديثة والمناهج الجديدة  

 1. التحول من النظريات التقليدية إلى المناهج التفسيرية  

مع نهاية القرن العشرين، بدأ علماء الأنثروبولوجيا في تجاوز النظريات التطورية والوظيفية التقليدية، وظهرت مناهج أكثر تفسيرية تهتم بفهم الرموز والمعاني الثقافية. ومن أبرز المناهج الجديدة:  

- الأنثروبولوجيا الرمزية: طورها كليفورد غيرتز (1926-2006)، حيث ركز على تحليل الثقافة باعتبارها "نظامًا من الرموز والمعاني" التي تمنح الأفراد إحساسًا بالهوية والانتماء.  

- الأنثروبولوجيا ما بعد الحداثية: انتقدت الاتجاهات التقليدية في دراسة الثقافة، مؤكدة أن المعرفة العلمية ليست محايدة تمامًا، وأن الباحثين أنفسهم يتأثرون بثقافاتهم عند دراسة المجتمعات الأخرى.  

- المنهج الإثنوغرافي التفاعلي: تطور ليشمل التفاعل المباشر بين الباحث والمجتمع المدروس، مما جعل الدراسات الأنثروبولوجية أكثر دقة وموضوعية.  

 2. التوسع في دراسة قضايا العولمة والتغير الثقافي  

أصبحت العولمة موضوعًا أساسيًا في الأنثروبولوجيا الثقافية، حيث بدأ العلماء في دراسة تأثير التدفقات الاقتصادية والثقافية العالمية على المجتمعات المحلية. ومن أبرز القضايا التي نوقشت:  

- الهجرة والهوية الثقافية: كيف تؤثر الهجرة على التقاليد والمعتقدات في المجتمعات المضيفة والمهاجرة؟  

- التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي: كيف غيرت وسائل التواصل الرقمي العلاقات الاجتماعية والتفاعل الثقافي؟  

- الرأسمالية والثقافة: كيف تؤثر الأسواق العالمية على العادات والتقاليد المحلية؟  

 ب. العولمة وتأثيرها على الأنثروبولوجيا الثقافية  

 1. دراسة التفاعل بين الثقافات في العالم الحديث  

في ظل العولمة، لم تعد الثقافات معزولة كما كانت في الماضي، بل أصبحت في حالة تفاعل دائم. وقد دفع هذا علماء الأنثروبولوجيا إلى دراسة الظواهر الثقافية مثل:  

- التكيف الثقافي: كيف تتبنى المجتمعات عناصر من ثقافات أخرى؟  

- المقاومة الثقافية: كيف تحافظ بعض الثقافات على هويتها رغم الضغوط الخارجية؟  

- التعددية الثقافية: كيف تؤثر السياسات الدولية والمحلية على تعايش الثقافات المختلفة؟  

 2. تغير دور الأنثروبولوجيا في المجتمعات الحديثة  

في الماضي، ركزت الأنثروبولوجيا على دراسة المجتمعات التقليدية أو الشعوب "البدائية"، لكن مع التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، أصبح من الضروري دراسة:  

- الحياة الحضرية في المدن الكبرى  

- التأثيرات الاقتصادية على الثقافة  

- التحولات الاجتماعية في ظل التقنيات الحديثة  

 ج. التكنولوجيا والأساليب الرقمية في البحث الأنثروبولوجي  

 1. ظهور الإثنوغرافيا الرقمية  

مع تطور الإنترنت والتقنيات الرقمية، أصبح الباحثون يستخدمون الأدوات الحديثة لدراسة المجتمعات الافتراضية والظواهر الرقمية. ويشمل ذلك:  

- دراسة ثقافات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي  

- تحليل المنتديات والمجتمعات الرقمية  

- استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الأنماط الثقافية  

 2. تطور أساليب البحث الميداني  

- أصبح استخدام التسجيلات الصوتية والفيديو شائعًا في الدراسات الإثنوغرافية.  

- ساهمت تقنيات تحليل البيانات الكبيرة في فهم التغيرات الثقافية على نطاق واسع.  

- سهلت الخرائط الرقمية وتقنيات GPS دراسة تأثير البيئة على الثقافات.  

أصبحت الأنثروبولوجيا الثقافية في العصر الحديث أكثر شمولًا ودقة، حيث تطورت من دراسة المجتمعات التقليدية إلى تحليل التغيرات السريعة في العالم المعاصر. ومع ازدياد تأثير العولمة والتكنولوجيا، أصبح هذا العلم أداة أساسية لفهم الديناميكيات الثقافية والاجتماعية المعقدة، مما يعزز دوره في معالجة القضايا العالمية مثل الهجرة، والهوية، والتنمية، والتغيرات الرقمية.

 الخاتمة

شهدت الأنثروبولوجيا الثقافية تطورًا طويلًا منذ نشأتها، حيث بدأت كمجموعة من التساؤلات الفلسفية حول طبيعة الإنسان والمجتمع، ثم تحولت إلى مجال علمي قائم على البحث الميداني والدراسات المقارنة. وقد تأثرت نشأتها بالفكر الإغريقي، والنظريات الاجتماعية في العصور الوسطى، وعصر النهضة، ثم تعززت خلال القرن التاسع عشر مع ظهور النظريات التطورية والبحث الإثنوغرافي. وكان لعلماء مثل إدوارد تايلور ولويس هنري مورغان وفرانز بواس دور محوري في صياغة الأسس النظرية والمنهجية التي يقوم عليها هذا العلم اليوم.

في القرن العشرين، انتقلت الأنثروبولوجيا الثقافية من تفسير الثقافات عبر النظريات التطورية إلى التركيز على دراسة المجتمعات من خلال المناهج الوصفية والتحليلية، مما أتاح فهمًا أكثر عمقًا للتنوع الثقافي. وقد ساعدت الدراسات الميدانية، مثل تلك التي أجراها مالينوفسكي وليفي شتراوس، في تطوير مناهج جديدة لفهم البنى الاجتماعية والرموز الثقافية.

مع التقدم التكنولوجي والعولمة، شهدت الأنثروبولوجيا الثقافية تحولًا كبيرًا في طبيعة دراستها، حيث أصبحت تهتم بقضايا حديثة مثل الهجرة، والتفاعل الثقافي، والهوية، وتأثير التكنولوجيا على المجتمع. كما أدت الثورة الرقمية إلى ظهور الإثنوغرافيا الرقمية، مما وفر أدوات جديدة لدراسة الثقافات في العصر الحديث.

وبذلك، تظل الأنثروبولوجيا الثقافية علمًا حيويًا يسهم في تفسير التغيرات الاجتماعية والثقافية، مما يساعد في فهم التنوع البشري والتحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة. ومع استمرار التغيرات العالمية، يبقى هذا العلم مفتاحًا أساسيًا لفهم التفاعلات الثقافية ودورها في تشكيل الحضارات.

مراجع  

1. "قصة الأنثروبولوجيا: فصول في تاريخ علم الإنسان"  

   تأليف: د. حسين فهيم. يتناول هذا الكتاب تاريخ الأنثروبولوجيا وظهورها وتطورها واستخداماتها، بالإضافة إلى الفكر الأنثروبولوجي في العصور القديمة ودورها في القرن التاسع عشر. 

2. "تاريخ الأنثروبولوجيا"  

   تأليف: توماس هيلاند إريكسن وفين نيلس. يستعرض هذا الكتاب بدايات الأنثروبولوجيا ومؤسسيها، بالإضافة إلى التطورات الفكرية والسياسية التي أثرت في هذا العلم. 

3. "الأنثروبولوجيا الثقافية"  

   تأليف: محمد الخطيب. يدرس هذا الكتاب الأنثروبولوجيا الثقافية بوصفها النتاج الفكري لأي مجتمع، ويحلل البنى الفكرية لبعض التشكيلات البدائية وصولاً إلى المجتمعات الحضارية. 

4. "الأنثروبولوجيا: حقل علمي واحد وأربع مدارس"  

   تأليف: فريدرك بارت وأندريه غينغريتش. يتناول هذا الكتاب بروز الأنثروبولوجيا في إيطاليا، وروادها، والعصر الذهبي لها، بالإضافة إلى مدارس الأنثروبولوجيا في الولايات المتحدة وأوروبا. 

5. "الأنثروبولوجيا الاجتماعية"  

   تأليف: روبير مونتاني. يقدم هذا الكتاب نظرة شاملة على الأنثروبولوجيا الاجتماعية، مع التركيز على تطور المجتمعات البشرية والعلاقات الاجتماعية.

6. "الأنثروبولوجيا: من البنيوية إلى التأويلية"  

   تأليف: إدموند ليتش. يستعرض هذا الكتاب تطور النظريات الأنثروبولوجية من البنيوية إلى التأويلية، مع التركيز على مناهج البحث الحديثة.

7. "مدخل إلى الأنثروبولوجيا"  

   تأليف: عيسى الشماس. يقدم هذا الكتاب مقدمة شاملة لعلم الأنثروبولوجيا، مع التركيز على فروعه المختلفة وتطوره التاريخي.

8. "الأنثروبولوجيا الثقافية: دراسة مقارنة"  

   تأليف: كلوفيس مقصود. يتناول هذا الكتاب دراسة مقارنة للثقافات المختلفة، مع التركيز على نشأة الأنثروبولوجيا الثقافية وتطورها.

مواقع الكترونية 

1.موقع موضوع – يقدم مقالات حول الأنثروبولوجيا الثقافية وتاريخها:

2.موقع عمون الإخباري – يحتوي على مقالات تناقش تطور الأنثروبولوجيا الثقافية:

3.موقع كنانة أونلاين – يقدم محتوى علمي حول علم الإنسان الثقافي:

4.موقع ويكيبيديا العربية – يحتوي على معلومات موسوعية عن الأنثروبولوجيا الثقافية:
  علم_الإنسان_الثقافي

5.موقع مجلة التقدم العلمي – ينشر مقالات متخصصة في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك الأنثروبولوجيا الثقافية

تعليقات