عجائب الدنيا السبع القديمة
تمثل عجائب الدنيا السبع القديمة أعظم إنجازات الحضارات القديمة في مجالات الهندسة المعمارية والفن والإبداع البشري. اشتهرت هذه العجائب منذ العصور اليونانية القديمة، وكان أول من جمعها في قائمة واحدة هو المؤرخ اليوناني هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم تطورت القائمة عبر الزمن حتى استقرت في شكلها النهائي على يد المؤرخ والشاعر أنتيباتروس الصيدوني في القرن الثاني قبل الميلاد. رغم أن معظم هذه العجائب قد اندثرت بفعل عوامل الطبيعة والزمن، إلا أن واحدة فقط منها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وهي الهرم الأكبر في الجيزة. سنستعرض في هذا المقال كل عجيبة من هذه العجائب السبع، متناولين تاريخها وأهميتها الحضارية والثقافية ومصيرها عبر التاريخ.
1. الهرم الأكبر في الجيزة
يعد الهرم الأكبر في الجيزة أقدم عجائب الدنيا السبع وهو العجيبة الوحيدة الباقية حتى يومنا هذا. شُيد هذا الصرح العظيم بأمر من الفرعون خوفو (المعروف أيضاً باسم خيوبس) من الأسرة الرابعة المصرية حوالي عام 2560 قبل الميلاد. استغرق بناؤه حوالي 20 عاماً، واستخدم في بنائه أكثر من 2.3 مليون كتلة حجرية، يزن بعضها أكثر من 50 طناً.
بلغ ارتفاع الهرم الأصلي 146.5 متراً، وكان مغطى بطبقة من الحجر الجيري الأبيض الناعم الذي كان يعكس أشعة الشمس، مما جعله يلمع كالجوهرة. اليوم، يبلغ ارتفاعه 138.8 متراً بعد فقدان الطبقة الخارجية بسبب عوامل التعرية والسرقة عبر العصور.
لقد أثار الهرم الأكبر إعجاب الزوار والباحثين على مر العصور، فهو يمثل إنجازاً هندسياً مذهلاً للحضارة المصرية القديمة. الدقة الهندسية في بنائه مدهشة، حيث إن زوايا قاعدته الأربع تشير بدقة متناهية إلى الاتجاهات الأصلية الأربعة، وذلك قبل اختراع البوصلة بآلاف السنين.
2. حدائق بابل المعلقة
تعد حدائق بابل المعلقة واحدة من أكثر عجائب الدنيا السبع غموضاً، حيث لا توجد أدلة أثرية قاطعة على وجودها. وفقاً للتقاليد اليونانية والرومانية، شيدت هذه الحدائق في مدينة بابل القديمة (في العراق الحالي) على يد الملك نبوخذ نصر الثاني في القرن السادس قبل الميلاد كهدية لزوجته أميتيس التي كانت تشتاق لجبال وخضرة موطنها الأصلي ميديا (في إيران الحالية).
وصفت المصادر التاريخية هذه الحدائق بأنها كانت مبنية على شكل مصاطب أو مدرجات، ترتفع الواحدة فوق الأخرى، مغطاة بأشجار وشجيرات ونباتات متنوعة، مما أعطاها مظهر جبل أخضر وسط الصحراء. واستخدمت أنظمة ري مبتكرة لإيصال المياه من نهر الفرات إلى أعلى المصاطب باستخدام برغي أرخميدس.
رغم أن بعض الباحثين يشككون في وجود هذه الحدائق أصلاً، ويعتبرونها أسطورة خيالية نسجها المؤرخون اليونانيون، إلا أن آخرين يعتقدون أنها كانت موجودة فعلاً، وربما كانت في مدينة نينوى وليس بابل، وأن التنقيبات الأثرية المستقبلية قد تكشف أدلة قاطعة على وجودها.
3. تمثال زيوس في أولمبيا
كان تمثال زيوس في أولمبيا تحفة فنية رائعة نحتها الفنان اليوناني الشهير فيدياس حوالي عام 435 قبل الميلاد. وضع هذا التمثال الضخم داخل معبد زيوس في مدينة أولمبيا اليونانية، موقع الألعاب الأولمبية القديمة.
كان التمثال مصنوعاً من الخشب ومغطى بطبقات من العاج والذهب الخالص، ويبلغ ارتفاعه حوالي 12 متراً. يمثل زيوس، كبير الآلهة في الأساطير اليونانية، جالساً على عرشه المزين بالمنحوتات والأحجار الكريمة. وقد كان التمثال مهيباً لدرجة أن الأسطورة تقول إنه عندما سُئل فيدياس عما ألهمه لصنع هذا التمثال، أجاب بأنه استوحاه من أبيات هوميروس في الإلياذة.
دُمر هذا التمثال في ظروف غامضة، ويُعتقد أنه نُقل إلى القسطنطينية (إسطنبول حالياً) في القرن الخامس الميلادي، ثم احترق في حريق كبير هناك.
4. معبد أرتميس في أفسس
كان معبد أرتميس في أفسس (في تركيا الحالية) واحداً من أروع المعابد الإغريقية على الإطلاق. بُني المعبد الأول حوالي عام 550 قبل الميلاد على يد المعماري كريسيفرون وابنه ميتاجين، لكنه دُمر في حريق متعمد على يد هيروستراتوس الذي أراد تخليد اسمه في التاريخ. وتصادف ذلك مع ليلة ولادة الإسكندر الأكبر.
أعيد بناء المعبد بعد ذلك بتصميم أكثر روعة وجمالاً. كان المعبد الجديد يتألف من 127 عموداً من الرخام، كل عمود يبلغ ارتفاعه 18 متراً، وكان مزيناً بمنحوتات برونزية رائعة. استمر هذا المعبد قائماً لعدة قرون حتى دمره الغوط عام 262 ميلادياً.
اليوم، لم يتبق من هذا المعبد العظيم سوى بعض الأعمدة والأساسات، ومجموعة من التماثيل والمنحوتات المحفوظة في متحف البريطاني ومتحف إسطنبول للآثار.
5. ضريح موسولوس في هاليكارناسوس
شُيد ضريح موسولوس (أو الموسوليون) في مدينة هاليكارناسوس (بودروم في تركيا الحالية) حوالي عام 350 قبل الميلاد. بنته الملكة أرتميسيا الثانية تخليداً لذكرى زوجها الملك موسولوس، حاكم إقليم كاريا. وكان من تصميم المعماريَين ساتيروس وبيثيوس.
ارتفع الضريح إلى حوالي 45 متراً، وكان مكوناً من عدة طبقات: قاعدة مستطيلة، وفوقها صف من 36 عموداً، ثم هرم مدرج، وفي القمة تمثال يمثل عربة تجرها أربعة خيول. كان الضريح مزيناً بمنحوتات رائعة من عمل أشهر النحاتين في ذلك العصر.
استمر الضريح قائماً لما يقرب من 16 قرناً، حتى دمرته سلسلة من الزلازل في العصور الوسطى. في القرن الخامس عشر، استخدم فرسان القديس يوحنا أحجاره في بناء قلعة بودروم. اليوم، بعض المنحوتات والتماثيل من الضريح محفوظة في المتحف البريطاني.
كان تأثير الموسوليون في العمارة كبيراً لدرجة أن اسمه أصبح مرادفاً للأضرحة الفخمة في معظم لغات العالم.
6. تمثال رودس
كان تمثال رودس تمثالاً برونزياً ضخماً للإله اليوناني هيليوس (إله الشمس)، شُيد في مدخل ميناء جزيرة رودس اليونانية بين عامي 292 و280 قبل الميلاد. صممه النحات كاريس تلميذ ليسيبوس، وكان يبلغ ارتفاعه حوالي 33 متراً، مما جعله أحد أطول التماثيل في العالم القديم.
بُني التمثال احتفالاً بانتصار سكان رودس على دمتريوس بوليوركيتس الذي حاصر الجزيرة عام 305 قبل الميلاد. استخدمت أموال بيع المعدات الحربية التي تركها دمتريوس في تمويل بناء التمثال.
خلافاً للاعتقاد الشائع، لم يكن التمثال يقف فاتحاً ساقيه فوق مدخل الميناء، بل كان يقف على جانب واحد من المدخل. لم يدم هذا التمثال الضخم طويلاً، إذ سقط خلال زلزال قوي ضرب الجزيرة حوالي عام 226 قبل الميلاد، أي بعد حوالي 54 عاماً فقط من إنشائه.
ظلت أنقاض التمثال ملقاة على الأرض لقرون طويلة، وكانت مزاراً للسياح القدامى، حتى باعها التجار العرب عام 654 ميلادياً لتجار الخردة المعدنية.
7. منارة الإسكندرية
كانت منارة الإسكندرية، أو فاروس الإسكندرية، أول منارة حقيقية في العالم وأطول مبنى في عصرها بعد أهرامات الجيزة. شُيدت في جزيرة فاروس قبالة ساحل الإسكندرية في مصر خلال عهد بطليموس الثاني (حوالي 280 قبل الميلاد)، وصممها المعماري سوستراتوس الكنيدي.
يُقدر ارتفاع المنارة بحوالي 120 متراً، وكانت مكونة من ثلاثة أجزاء: قاعدة مربعة، وفوقها جزء ثماني الأضلاع، ثم جزء اسطواني في القمة يعلوه تمثال، ربما للإله زيوس أو للإله بوسيدون. كان في قمة المنارة نار تضاء ليلاً، وكانت أشعتها تُعكس بواسطة مرايا برونزية لمساعدة السفن على تحديد موقعها.
استمرت المنارة قائمة لأكثر من 1500 سنة، متحدية العواصف والزلازل، حتى دمرها زلزالان قويان في القرنين 12 و14 الميلاديين. في القرن 15، استخدم السلطان المملوكي قايتباي أنقاضها في بناء قلعة تحمل اسمه لا تزال قائمة حتى اليوم في موقع المنارة.
تأثير عجائب الدنيا السبع القديمة وتأثيرها
تمثل عجائب الدنيا السبع القديمة ذروة الإبداع البشري في العصور القديمة، وتحمل أهمية استثنائية على المستويات الثقافية والتاريخية والعلمية. يمكن تلخيص أهميتها وتأثيرها فيما يلي:
1. الإنجاز التقني والهندسي
شكلت هذه العجائب تحديات هندسية هائلة تغلب عليها القدماء دون المعدات الحديثة أو التكنولوجيا المتطورة. الهرم الأكبر، على سبيل المثال، يظهر فهماً متقدماً للرياضيات والفلك والهندسة المعمارية، حيث تم بناؤه بدقة مذهلة تشير زواياه إلى الاتجاهات الأصلية الأربعة. كما أظهرت منارة الإسكندرية وحدائق بابل المعلقة تقنيات مبتكرة في الري وعكس الضوء والبناء المعلق.
2. التأثير الثقافي والفني
ألهمت هذه العجائب أجيالاً من الفنانين والمعماريين والمهندسين عبر التاريخ. أصبحت نماذج للجمال والعظمة في الفن والعمارة، وأثرت في تصميم المباني الضخمة في العصور اللاحقة. صار ضريح موسولوس مثلاً نموذجاً للأضرحة الفخمة لدرجة أن اسمه (موسوليوم) أصبح مصطلحاً معمارياً عالمياً للأضرحة الكبيرة.
3. الرمزية الدينية والسياسية
كانت معظم هذه العجائب رموزاً للقوة السياسية والدينية. فمعبد أرتميس ومعبد زيوس كانا مراكز دينية مهمة، بينما كانت حدائق بابل وضريح موسولوس تعبيراً عن القوة والثراء للحكام. منارة الإسكندرية كانت رمزاً لمكانة الإسكندرية كمركز للتجارة والثقافة في العالم القديم.
4. إرث حضاري وتواصل ثقافي
قدمت هذه العجائب جسراً للتواصل الثقافي بين الحضارات القديمة، حيث كانت مقصداً للمسافرين والتجار والمؤرخين من مختلف أنحاء العالم القديم. ساهمت في تبادل الأفكار والتقنيات والفنون بين الحضارات المختلفة، مما أدى إلى تطور ثقافي متبادل.
5. مصدر إلهام للعلوم الحديثة
دفعت الأسئلة حول كيفية بناء هذه العجائب العلماء المعاصرين لدراسة وفهم المزيد عن تقنيات البناء القديمة والهندسة المعمارية. أصبحت هذه العجائب محور بحث مستمر في علم الآثار والهندسة والتاريخ.
6. استمرارية التأثير في العصر الحديث
رغم اندثار معظم هذه العجائب، إلا أن تأثيرها استمر في العصر الحديث من خلال:
- إلهام بناء "عجائب" معاصرة
- تأسيس فكرة الحفاظ على التراث العالمي
- تعزيز السياحة الثقافية في المواقع المرتبطة بها
- استمرار حضورها في الثقافة الشعبية والفنون والأدب
7. تذكير بالإمكانات البشرية
تقف هذه العجائب شاهدة على قدرة البشر على تحقيق إنجازات مذهلة بغض النظر عن محدودية الموارد التقنية. إنها تذكرنا بأن الطموح والإبداع والتصميم البشري يمكن أن يتجاوز القيود المادية لعصره، وتلهمنا لمواجهة التحديات المعاصرة بنفس الروح.
بهذا، تبقى عجائب الدنيا السبع القديمة ليست مجرد آثار أو هياكل معمارية، بل هي شواهد على قصة الإنسانية وسعيها الدائم نحو الإبداع والجمال والخلود.
خاتمة
عجائب الدنيا السبع القديمة هي شهادة على عبقرية الإنسان وطموحه وقدرته على الإبداع والابتكار. لقد تحدت هذه الإنجازات العظيمة حدود ما كان يُعتقد أنه ممكن في عصرها، وما زالت تلهم الإعجاب والدهشة حتى يومنا هذا.
رغم أن الزمن قد طوى صفحة معظم هذه العجائب، وأن الواحدة تلو الأخرى قد سقطت ضحية للكوارث الطبيعية أو النزاعات البشرية، إلا أن روح الإبداع والطموح التي أنتجتها ما زالت حية في الثقافة الإنسانية. وهي تذكرنا بأن الإنسان، مهما كانت التحديات التي يواجهها، قادر على ترك بصمة خالدة في تاريخ الحضارة الإنسانية.
مراجع
1."عجائب الدنيا القديمة والحديثة" لمؤلفه محمد الفقي
2."موسوعة عجائب الدنيا السبع عبر العصور" للكاتب أحمد سويلم
3."The Seven Wonders of the Ancient World" by Peter Clayton
4."عجائب الدنيا: الماضي والحاضر" لمؤلفه عبد المنعم الجميعي
5."عجائب الدنيا السبع وغرائب القارات السبع"
- المؤلف: رحاب كمال
- الوصف: يستعرض هذا الكتاب العجائب السبع القديمة والحديثة، بالإضافة إلى أبرز الغرائب في القارات السبع، مع تفاصيل تاريخية ومعمارية لكل منها.
- رابط التحميل: /كتاب-عجائب-الدنيا-السبع-وغرائب-القارات-السبع-
6."عجائب الدنيا السبع (القديمة - الحديثة - المستقبلية - المرشحة)"
- المؤلف: جلال عبده خدشي
- الوصف: يقدم هذا الكتاب مرجعًا تاريخيًا للعجائب السبع عبر العصور، بما في ذلك العجائب القديمة، الحديثة، المستقبلية، وتلك المرشحة، مع شرح لسماتها وأهميتها التاريخية.
- رابط الكتاب: عجائب_الدنيا_السبع_القديمة_الحديثة_المستقبلية
7."موسوعة سؤال وجواب - عجائب الدنيا"
- المؤلف: مجموعة من المؤلفين
- الوصف: جزء من سلسلة موسوعات تقدم إجابات على تساؤلات حول عجائب الدنيا، مع رسوم توضيحية ومعلومات مركزة حول العجائب السبع وغيرها من المعالم المدهشة.
- رابط التحميل: موسوعة-سؤال-وجواب-عجائب-الدنيا-pdf
8."آخر عجائب الدنيا السبع: لغز الهرم الكبير"
- المؤلف: أنطوان بطرس
- الوصف: يركز هذا الكتاب على الهرم الأكبر في الجيزة، باعتباره العجيبة الوحيدة المتبقية من العجائب السبع القديمة، ويستعرض الألغاز المرتبطة به وتاريخه المعماري.
- رابط التحميل: /آخر-عجائب-الدنيا-السبع-لغز-الهرم-الكبير
9."العجائب الروحية السبع"
- المؤلف: عبد الله عبد الفادي
- الوصف: يستعرض الكتاب العجائب السبع من منظور روحي، مع التركيز على الجوانب الدينية والروحية المرتبطة بهذه المعالم.
- رابط الكتاب: https://www.amazon.com/العجائب-الروحية-السبع-
10."عجائب الدنيا السبع وغرائب القارات السبع"
- المؤلف: رحاب كمال
- الوصف: يتناول هذا الكتاب العجائب السبع القديمة والحديثة، بالإضافة إلى غرائب القارات السبع، مع تفاصيل تاريخية ومعمارية لكل منها.
- رابط التحميل: ketabpedia.com/تحميل/عجائب-الدنيا-السبع
اترك تعليق جميل يظهر رقي صاحبه