القائمة الرئيسية

الصفحات

موقع عين دارة الأثري-تاريخ وآثار مدينة قديمة في شمال سوريا وأهم اكتشافاتها

موقع أثري عين دارة

موقع عين دارة الأثري-تاريخ وآثار مدينة قديمة في شمال سوريا وأهم اكتشافاتها

عين دارة هي مدينة أثرية تاريخية تقع في منطقة هامة من شمال سوريا، تحديدًا في الجهة الغربية من قرية عين دارا الحالية، وعلى مسافة كيلومتر واحد منها، و5 كيلومترات جنوب مدينة عفرين. تحيط بها سهول خصبة من ثلاث جهات، ويحدها نهر عفرين من الغرب، على بُعد مئات الأمتار، كما يخترق الموقع جدول ماء نبع عين دارة، الذي يأخذ مجراه من بحيرتها الصغيرة، ليصب في نهر عفرين غربي التل.

تعد عين دارة واحدة من أبرز الآثار في الشرق الأوسط، حيث تمثل شواهد حية على تاريخ طويل ومعقد يعود إلى العصر الأرامي، الذي يمتد من 1200 إلى 740 قبل الميلاد. المدينة الحالية تحتوي على العديد من الآثار، مثل المعابد والتماثيل التي تمثل حيوانات مجنحة وأبو الهول، فضلاً عن نقوش وآثار أخرى متنوعة. ومن أهم الاكتشافات في الموقع لوحة بازلتية تمثل الآلهة عشتار.

تتألف عين دارة من قسمين رئيسيين: قسم جنوبي صغير وقسم شمالي كبير.

القسم الجنوبي

يُعتقد أن القسم الجنوبي هو موقع قرية زراعية تعود للعصر الحجري الحديث، ويقدر عمرها بحوالي عشرة آلاف عام. هذا الجزء من الموقع لم يخضع لحفريات موسعة باستثناء بعض عمليات السبر البسيطة، التي أظهرت أدوات صوانية وأحجار بناء تعود للعصر الحجري الحديث.

القسم الشمالي

يتألف هذا القسم من جزئين: القسم الأول هو "المدينة التحتانية"، التي تغطي مساحة 4600 متر مربع. يقال إن هذه المدينة كانت محاطة بأسوار دفاعية وأبراج، مع أربعة أبواب في جهاتها الأربعة. وعلى الرغم من أن التنقيب في هذه المنطقة كان محدودًا، إلا أن بعض بقايا الأسوار والأبواب قد تم اكتشافها. القسم الثاني هو "المدينة الفوقانية"، وتُعد أبرز معالمه هو المعبد الأثري الموجود في الجهة الشمالية، الذي تعرض لدمار شديد في هجوم تركي على المدينة في عام 2018. تبلغ مساحة سطح هذا التل 7500 متر مربع.

تاريخ المعبد

تُعد حفريات عين دارة أحد أهم الاكتشافات الأثرية في المنطقة. هناك تباين في الآراء حول تاريخ بناء المعبد، حيث تربطه المصادر السورية الرسمية بالفترة الآرامية، في حين يُرجح بعض الباحثين أنه يعود إلى أوقات أقدم تشمل الحضارات الحيثية والهوريتية. يعتبر المعبد نموذجًا فريدًا يعكس تأثير الحضارات القديمة، ويتميز بوجود تماثيل الأسود التي كانت تستخدم كوسيلة لحماية المعبد سحريًا. يُعتقد أن هذا النوع من التماثيل كان سائدًا في فترة ما قبل 1200 ق.م.

العصر الآرامي المتأخر والعصور التالية

على مر العصور، شهد الموقع العديد من التحولات. في العصر الآرامي المتأخر (740-530 ق.م)، تم العثور على بعض القطع الأثرية التي تشير إلى فترة الازدهار. أما في العصر الأخميني (530-330 ق.م)، فقد تم اكتشاف تماثيل وأنماط فنية تعكس الثقافة الفارسية. في الفترة اليونانية - السلوقية (330-80 ق.م)، كانت المدينة محصنة وازدهرت، حيث تم العثور على فخار سوري ويوناني، وكذلك كميات كبيرة من الفضة السلوقية.

الفترة الرومانية البيزنطية

في هذه الفترة، لم تُعثر آثار تدل على أن الموقع كان مأهولًا أو قائمًا بشكل مستمر، مما يشير إلى أن المركز الإداري للمنطقة قد تم نقله من عين دارا إلى بلدة باسوطة المجاورة. يبدو أن موقع عين دارا فقد أهميته الإدارية في تلك الحقبة، في حين استمرت الحياة في الأماكن الأخرى المجاورة.

العصر الأموي - العباسي

بعد فترة من التدهور، استعاد موقع عين دارا نشاطه في العصور الإسلامية. مع ظهور العصر الأموي، عادت الحياة إلى المنطقة بشكل ملحوظ، حيث تركزت الأنشطة الزراعية على استخدام النورج والمحراث الخشبي المزود بنصل حديدي، وكان ذلك يشبه الوضع الزراعي في مناطق جبل ليلون حتى وقت قريب. مع تطور الأدوات الزراعية، تم استبدال هذه الأدوات بآلات زراعية حديثة من الحديد.

استمر ازدهار المدينة خلال العصر العباسي، لا سيما بعد أن خضعت مجددًا للسيطرة البيزنطية في عام 969 م، في فترة حكم الدولة الحمدانية في شمال سوريا. وتعتبر هذه الفترة من أهم الفترات في تاريخ الموقع، حيث أظهرت الحفريات آثارًا عديدة مثل المباني المتطورة، والمنشآت العامة، بالإضافة إلى معاصر الزيتون، وأفران صناعة الخبز وصهر الحديد التي كانت تشهد نشاطًا صناعيًا ملحوظًا.

عثر في الموقع على العديد من الآثار الدينية، مثل كنيسة القرية التي تضم صلبانًا برونزية، ما يدل على الأهمية الدينية والثقافية التي كانت تتمتع بها المنطقة في تلك الفترة. كما عثر على أدوات زراعية مثل المحاريث والمناجل والمقصات الحديدية، مما يعكس مدى التقدم الذي حققته المنطقة في هذا المجال. من أهم الاكتشافات الأثرية أيضًا، تم العثور على كمية من النقود الذهبية تعود إلى قياصرة بيزنطيين، في المنازل المحترقة التي تعود إلى هذه الحقبة.

وفي هذه الفترة، كان السور الدفاعي للقرية أكثر قوة، حيث كان محاطًا بأسوار ذات أبراج دفاعية قوية، وقد تم بناء حصن في الزاوية الجنوبية من التل لحماية الموقع. يشير هذا إلى الأهمية العسكرية والدفاعية التي كانت تحظى بها المنطقة في تلك الحقبة، كما يعكس المكانة الاستراتيجية لموقع عين دارا.

العصر المملوكي

في العصر المملوكي، شهدت المنطقة تحولًا كبيرًا في تاريخها بعد أن سقط الحكم البيزنطي أمام توسع السلاجقة الأتراك في شمال سوريا وأواسط الأناضول في عام 1086م. مع هذا التغيير الكبير في السلطة، تعرضت القرية البيزنطية في عين دارا لدمار شامل نتيجة الهجمات، حيث تم إحراقها وتحويلها إلى أطلال. ولكن مع مرور الوقت، أُقيمت فوق أنقاض هذه القرية بيوت جديدة في محاولة لإعادة الحياة إلى الموقع. رغم ذلك، لم تستمر الحياة في هذه القرية لفترة طويلة، حيث هجرت تلك البيوت الجديدة أيضًا بعد وقت قصير، لتتحول المنطقة إلى أطلال مهجورة.

بدأت عمليات التنقيب في موقع عين دارا لأول مرة في عام 1954 من قبل بعثة وطنية سورية. وقد أسفرت هذه الحفريات عن اكتشافات هامة خلال عدة مواسم تنقيب. من أبرز هذه الاكتشافات كان معبد عين دارا الهام الذي تم اكتشافه في أواخر الستينات. هذا المعبد، الذي يعود تاريخه إلى العصور القديمة، يُعد واحدًا من أبرز المعالم الأثرية في المنطقة، حيث يشهد على حضارة قديمة كانت قد ازدهرت في هذه الأرض، ما يساهم في فهم تاريخ المنطقة الثقافي والديني.

 في العصر الحديث: الضرر الناجم عن الهجمات التركية:

في أواخر يناير 2018، تعرض موقع عين دارا الأثري لضرر بالغ نتيجة الغارات الجوية التي شنتها القوات الجوية التركية خلال عمليتها العسكرية في منطقة عفرين. وقد أفادت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية والمرصد السوري لحقوق الإنسان بتدمير كبير للمعبد الذي يعد من أبرز المعالم الأثرية في المنطقة. وأُبلغ عن الهجوم لأول مرة من قبل أحد السكان المحليين عبر المؤسسة الهولندية للبث الإذاعي في 23 يناير 2018، حيث كشف عن حجم التدمير الذي لحق بالموقع نتيجة القصف المكثف.

في أعقاب الهجوم، أصدرت المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة السورية بيانًا رسميًا تُدين فيه هذا العدوان الذي طال المواقع الأثرية في ريف حلب الشمالي. تم وصف الهجوم بأنه "عدوان مباشر من النظام التركي على التراث الثقافي في المنطقة"، مشيرين إلى أن مثل هذه الأفعال تتسبب في تدمير تاريخ وثقافة المنطقة بشكل لا يمكن تعويضه. كما دعت السلطات السورية المنظمات الدولية المختصة بحماية التراث الثقافي إلى إدانة الهجوم والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تدمير هذا المعلم التاريخي الهام.

هذا الهجوم يمثل اعتداءً واضحًا على التراث الثقافي العالمي، ويبرز الحاجة الملحة إلى تفعيل آليات حماية المواقع الأثرية في مناطق النزاع، لضمان الحفاظ على التاريخ والحضارة الإنسانية.

خاتمة

عين دارة هي موقع أثري غني يحمل بين جدرانه قصصًا عن حضارات قديمة وأساطيرها. يعتبر الموقع أحد أكثر المواقع الأثرية أهمية في شمال سوريا، وهو شاهد على تفاعل الحضارات المختلفة التي نشأت في المنطقة عبر العصور. ورغم ما تعرض له الموقع من دمار، إلا أن قيمته التاريخية والثقافية تظل باقية في ذاكرة المنطقة.

مراجع

  • "الآثار السورية: من العصور القديمة إلى العصور الإسلامية"

 هذا الكتاب يشرح تاريخ المواقع الأثرية في سوريا، بما في ذلك عين دارة، مع تفاصيل حول الحفريات والاكتشافات الأثرية الهامة.

  • "الحضارات القديمة في بلاد الشام"

 يتناول هذا الكتاب تاريخ الحضارات التي ازدهرت في بلاد الشام، ويشمل مناقشة واسعة للآثار في المناطق الشمالية مثل عين دارة.

  • "تاريخ سوريا القديم: من العصور الحجرية حتى الفترات المتأخرة"

 يقدم الكتاب لمحة شاملة عن تاريخ سوريا القديم ويشمل معلومات عن الآثار الأرامية والحيثية والآرامية في عين دارة.

  • "عين دارة: تاريخ وآثار"

 هذا الكتاب هو مرجع متخصص في تاريخ وآثار مدينة عين دارة، ويشمل معلومات تفصيلية عن المعبد والتماثيل والنقوش المكتشفة في الموقع.

  • "الآثار الأرامية في شمال سوريا"

 كتاب يتناول الآثار الأرامية في شمال سوريا، مع التركيز على المواقع الأثرية مثل عين دارة، ويشمل تحليلاً معمقًا للفترة الأرامية وأثرها على المناطق المحيطة.


أسئلة شائعة

موقع عين دارة الأثري هو أحد المواقع التاريخية الهامة في شمال سوريا، يتميز بمعابده الفريدة وآثاره التي تعود للعصر الحديدي.
من أبرز الاكتشافات تمثال الأسد البازلتي العملاق والنقوش البارزة التي تصور مشاهد دينية وملكية.
تكمن أهمية الموقع في تسليط الضوء على الحياة الدينية والفنية والحضارية في شمال سوريا خلال العصور القديمة.
يمكن الوصول إلى الموقع عبر الطريق المؤدي من مدينة حلب إلى منطقة عفرين، حيث يقع الموقع على مسافة قريبة من المدينة.
ينتمي الموقع إلى العصر الحديدي، حيث كان مركزًا دينيًا وثقافيًا مهمًا.
تعرض الموقع لتدمير جزئي خلال النزاعات المسلحة، مما أثر على بعض معالمه الأثرية الهامة.

تعليقات

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
محتوى المقال