قانون حمورابي المصادر والنصوص الخاصة بالشريعة
قانون حمورابي، التي أُصدرَت في بابل في حوالي عام 1754 قبل الميلاد، تُعد من أقدم النصوص القانونية المعروفة. شملت قوانين تحدد الحقوق، العقوبات، والتزامات الأفراد، وقد تم نقشها على مسلة حجرية. تعتبر هذه الشريعة أساسًا للعدالة الجنائية والمدنية في بلاد الرافدين.
الفصل الأول: مدخل إلى شريعة حمورابي
شريعة حمورابي تعد واحدة من أقدم وأهم مجموعة قوانين في التاريخ البشري، أُصدرت في عهد الملك حمورابي في بابل القديمة حوالي عام 1754 قبل الميلاد. تمثل الشريعة مزيجًا من العدالة الاجتماعية والتنظيم القانوني، حيث تضمنت قوانين تخص العقوبات، الأسرة، الملكية، وحقوق الأفراد، وقد وضعت في مسلة حجرية شهيرة.
1. التعريف بشريعة حمورابي
شريعة حمورابي تعد من أقدم القوانين المكتوبة التي عرفتها البشرية، وُضعت حوالي عام 1754 قبل الميلاد على يد الملك حمورابي، الذي حكم بلاد بابل (حاليًا جزء من العراق). تمثل هذه الشريعة مجموعة من القوانين التي نُقشت على مسلة حجرية ضخمة، تهدف إلى تنظيم الحياة العامة وتعزيز العدالة بين الناس. تتألف الشريعة من 282 مادة قانونية، تناولت مختلف جوانب الحياة، من المعاملات التجارية والزراعية إلى تنظيم الأسرة والعقوبات الجنائية.
أبرز ما يميز قانون حمورابي هو مبدأ المعاملة بالمثل، المعروف بـ"العين بالعين والسن بالسن"، والذي يشير إلى تطبيق العدالة بنوع من التوازن في العقاب. كما تجسد الشريعة محاولة حمورابي لتطبيق نظام قضائي عادل وتوحيد التشريعات ضمن إمبراطوريته البابلية، مما يعكس طموحه لتحقيق استقرار اجتماعي وقانوني، وجعلها مرجعًا قانونيًا للأجيال اللاحقة.
2. الملك حمورابي وحكمه في بلاد ما بين النهرين
الملك حمورابي هو أحد أعظم ملوك بابل وأبرز حكام بلاد ما بين النهرين، حيث حكم خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد، حوالي عام 1792 إلى 1750 قبل الميلاد. كان حمورابي سادس ملك في السلالة البابلية الأولى، واشتهر بجهوده في توحيد مناطق بلاد ما بين النهرين وإرساء أسس إمبراطورية قوية ومستقرة.
نجح حمورابي في توسيع نفوذ بابل عبر سلسلة من الحملات العسكرية والدبلوماسية، حيث قاد جهودًا للتغلب على الممالك المجاورة، مثل مملكة عيلام وماري وأشور، ودمجها في إمبراطوريته. لم يقتصر دوره على الغزو، بل ركز أيضًا على تطوير البنية التحتية والاقتصاد، فبنى شبكات ري واسعة وأمر بتشييد المعابد والمدن.
كانت أكبر إنجازاته إصدار شريعة حمورابي، التي تعد من أقدم وأشمل القوانين المكتوبة في التاريخ. إذ أظهرت هذه الشريعة التزامه بالعدل الاجتماعي وتعزيز الاستقرار في مجتمعه من خلال قوانين تنظم حياة الأفراد وتعزز العدالة. لعب قانون حمورابي دورًا مهمًا في توحيد المجتمع البابلي تحت مظلة قانونية موحدة، مما ساهم في ازدهار الحضارة البابلية وجعل حمورابي رمزًا للحاكم العادل في تاريخ بلاد ما بين النهرين.
3. أهمية شريعة حمورابي في التاريخ القانوني
شريعة حمورابي تعدّ من أهم الوثائق القانونية في التاريخ البشري، وقد تركت أثرًا عميقًا في تطور الأنظمة القانونية عبر العصور. وتكمن أهمية هذه الشريعة في عدة جوانب، منها:
1. أول نظام قانوني متكامل:
تعتبر شريعة حمورابي من أقدم القوانين المدونة والشاملة التي تم اكتشافها، إذ تضمنت 282 مادة قانونية، تناولت قضايا حياتية واجتماعية مختلفة مثل حقوق الملكية، والعقوبات الجنائية، والعلاقات الأسرية، وتنظيم التجارة، وشروط العمل، وغيرها. هذه الشمولية جعلتها نموذجًا يُحتذى به في ضبط المجتمع وتنظيم الحياة العامة.
2. التأسيس لمبدأ العدالة:
هدفت شريعة حمورابي إلى إقامة نظام عدلي مستقر يعتمد على القوانين المكتوبة والواضحة، مما ساهم في تعزيز مفهوم العدالة في المجتمع البابلي. فقد كانت الشريعة توضح العقوبات والأحكام بجلاء، وتعتبر نقطة تحول في تنظيم السلطة القضائية والإجراءات القانونية في تاريخ البشرية.
3. التأثير في القوانين اللاحقة:
أثرت شريعة حمورابي على العديد من الحضارات التي تلتها، مثل الحضارات الآشورية والفينيقية والعبرانية. إذ انتقلت مبادئها الأساسية كالتوازن بين الجريمة والعقاب إلى أنظمة قانونية لاحقة، مما أرسى مفاهيم قانونية سادت حتى عصور متقدمة.
4. إرساء مفهوم "العين بالعين":
كان من أبرز مبادئ شريعة حمورابي هو مبدأ "العين بالعين والسن بالسن"، الذي شكل أساسًا لمفهوم العقوبات المتناسبة مع الجرائم المرتكبة. هذا المبدأ يعكس محاولة لتحقيق التوازن بين الجرائم والعقوبات، وهو ما أصبح جزءًا من الفلسفة القانونية العالمية لاحقًا.
5. تكريس دور الدولة في حماية المجتمع:
أكدت شريعة حمورابي على مسؤولية الحاكم في تطبيق القانون وتوفير الحماية للمواطنين، وهو ما ساهم في ترسيخ فكرة أن الدولة هي المرجع الأساسي لتحقيق العدل وضمان الأمن في المجتمع.
بفضل هذه العوامل، أصبحت شريعة حمورابي حجر الزاوية في دراسة تطور الفكر القانوني، وأحد المراجع الأساسية لفهم كيف تشكلت القوانين وأهمية توحيدها كأداة لضبط العلاقات الاجتماعية والسياسية.
4. الظروف التاريخية والاجتماعية لوضع الشريعة
وُضعت شريعة حمورابي في ظل ظروف تاريخية واجتماعية شكلت بيئة مناسبة لنشوء قانون مكتوب يهدف إلى تنظيم الحياة العامة وضمان العدالة في المجتمع البابلي. ومن بين هذه الظروف:
1. التوحيد السياسي:
حكم حمورابي بلاد ما بين النهرين في فترة شهدت صعود مملكة بابل كقوة كبرى في المنطقة، مما دفعه إلى توحيد المدن والقبائل المختلفة تحت حكم مركزي. تطلب هذا التوحيد وجود شريعة عامة توحد نظام الحكم وتحقق الاستقرار بين المجتمعات المتنوعة.
2. التعقيد الاقتصادي والاجتماعي:
كانت بلاد ما بين النهرين مركزًا للتجارة والزراعة، وتنوعت فيها الأنشطة الاقتصادية، مثل الفلاحة، والتجارة، والصناعة. أدى هذا إلى بروز طبقات اجتماعية مختلفة تتباين بين النبلاء، والعمال، والعبيد، مما خلق حاجة ماسة إلى قوانين تُنظم حقوق وواجبات هذه الفئات.
3. التحديات الأمنية:
واجهت بابل تهديدات من الدول المجاورة والصراعات الداخلية التي كانت تهدد استقرار المملكة. لذا، وضع حمورابي هذه الشريعة لتحديد العقوبات وضبط السلوك العام وتعزيز العدالة، ما ساهم في تقوية الأمن الداخلي وإرساء دعائم الدولة.
4. التوجه نحو العدالة الاجتماعية:
سعى حمورابي لإرساء قيم العدل والمساواة من خلال شريعته، بهدف تقليل التمييز بين الأفراد في المجتمع. وقد نصَّ على عقوبات محددة وواضحة، مما عزز الشعور بالمساواة بين المواطنين وضمن حمايتهم من التعديات والظلم.
5. تنظيم المجتمع الديني:
كان للديانة دورٌ كبير في الحياة اليومية، حيث كان يُنظر إلى الملك باعتباره ممثل الآلهة، ويُتوقع منه تحقيق العدل كواجب ديني. بذلك، جاءت الشريعة كأداة لضمان تحقيق إرادة الآلهة في توفير العدالة وحماية الضعفاء.
6. الإرث القانوني السومري:
استفاد حمورابي من الإرث القانوني السومري الذي سبق بابل في تشريعات قانونية، مما هيأه لتطوير هذا النظام، وتوسيع قوانينه لتشمل مختلف جوانب الحياة.
عكست شريعة حمورابي هذه الظروف التاريخية والاجتماعية، وجاءت كاستجابة لتحديات واقعية بهدف تحقيق استقرار المملكة وتعزيز مكانة بابل بوصفها قوة مركزية في المنطقة، وتُعَدُّ نموذجًا مهمًا في تطور القوانين الإنسانية.
الفصل الثاني: المصادر والنصوص الخاصة بشريعة حمورابي
شريعة حمورابي تم نقشها على مسلة حجرية تحتوي على نصوص قانونية وضعها الملك حمورابي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. تتضمن هذه النصوص قوانين تتعلق بالحقوق، العقوبات، والأحكام القضائية. المصادر الرئيسية لهذه الشريعة هي مسلة حمورابي، التي تم اكتشافها في مدينة سوسة الإيرانية.
1. نقش مسلة حمورابي
تعد مسلة حمورابي إحدى أبرز الشواهد الأثرية في تاريخ الحضارة البابلية، وتحتوي على نقوش دقيقة للقوانين التي وُضعت في عهد الملك حمورابي (1792–1750 ق.م). يبلغ ارتفاع المسلة حوالي 2.25 متر، وهي منحوتة من حجر الديوريت الصلب، ما أعطاها متانة مكّنتها من الصمود لآلاف السنين. تُعرض المسلة في متحف اللوفر في باريس، وتُعدّ رمزًا مهمًا للعدالة في تاريخ الإنسانية.
تفاصيل النقش:
1. الجزء العلوي:
يحتوي على صورة منحوتة تُظهر الملك حمورابي واقفًا أمام الإله شمش، إله الشمس والعدالة في المعتقد البابلي، الذي يرمز إلى سلطة حمورابي المُستمدة من الآلهة لسن القوانين.
2. النصوص القانونية:
تتضمن المسلة نحو 282 قانونًا تتناول مختلف جوانب الحياة اليومية، من العقوبات الجنائية إلى الأحوال الشخصية والتجارة والزراعة. وقد كُتبت النصوص بالخط المسماري باللغة الأكدية، وتبدأ بصيغة تعظيم الآلهة، يليها تعريف بجهود حمورابي لإقامة العدل، ثم نصوص القوانين المترتبة على أفعال متنوعة.
3. القوانين الرئيسية:
يشتهر نقش المسلة بتحديده لمبدأ "العين بالعين"، حيث يُقرّ العقوبات وفقًا لفكرة الجزاء المماثل، مما يُجسّد معايير العدالة في ذلك العصر.
أهمية المسلة:
يشكل نقش مسلة حمورابي أحد أوائل التشريعات القانونية المكتوبة، ويعكس فهمًا مبكرًا لحقوق الأفراد وواجباتهم. ساعدت هذه المسلة على توفير رؤية شاملة للقيم القانونية السائدة في بلاد ما بين النهرين، كما شكلت أساسًا مهمًا لدراسة تاريخ القانون وتطوره.
2. الترجمات القديمة والحديثة للشريعة
تُعد شريعة حمورابي إحدى أهم الوثائق القانونية القديمة، وقد تمت ترجمتها عبر عصور متعددة لإثراء فهم البشرية للمبادئ القانونية والتشريعية القديمة.
الترجمات القديمة:
1. الترجمة إلى اللغات القديمة:
انتقلت قوانين شريعة حمورابي عبر ترجمات غير مباشرة في الثقافات القريبة، مثل السومرية والأشورية. اعتُبرت الشريعة نموذجًا قانونيًا يُحتذى به في بلاد ما بين النهرين، وجرى توظيف مبادئها في تنظيم العلاقات المجتمعية والسياسية في حضارات مجاورة.
2. التأثير على التشريعات التوراتية:
يُعتقد أن شريعة حمورابي أثرت في بعض التشريعات الموجودة في التوراة، خاصة تلك التي تتناول مبدأ الجزاء المماثل، ما يعكس استمرارية تأثيرها عبر الأجيال.
الترجمات الحديثة:
1. الترجمة الأوروبية (القرن الـ 19):
في عام 1901، تم اكتشاف مسلة حمورابي، وأثارت اهتمام علماء الآثار والمؤرخين الأوروبيين. تولاها العلماء الفرنسيون بدراسة وترجمة نصوصها إلى الفرنسية، مما أتاح للمجتمع العلمي الأوروبي الاطلاع على فحواها وتفاصيلها القانونية.
2. الترجمات إلى الإنجليزية واللغات الأخرى:
سُرعان ما ترجمت الشريعة إلى الإنجليزية والألمانية وغيرها من اللغات، ما جعلها محور دراسة مقارنة للقوانين القديمة وأسس القانون الحديث. كانت هذه الترجمات مفيدة لفهم أسلوب الحياة في بابل، ومبادئ العدالة والعقوبات، كما أثرت في دراسات علم القانون والحقوق في العصور اللاحقة.
3. الترجمات العربية:
توالى العلماء العرب على ترجمة شريعة حمورابي في العصر الحديث، مما أسهم في إتاحة دراسة الشريعة ضمن السياق التاريخي العربي ودراسات القانون الشرقي، كما أثرت في المقارنة مع التشريعات الإسلامية والتراث القانوني العربي.
أهمية الترجمات:
جعلت هذه الترجمات شريعة حمورابي متاحة بشكل واسع، مما ساعد على إثراء الفهم القانوني والتاريخي، حيث باتت تُدرس كمرجع قانوني ونموذجًا للقوانين القديمة. أظهرت أيضًا التشابهات بين الشريعة والنظم القانونية الحديثة، وأتاحت دراسة التأثيرات المتبادلة بين الثقافات القانونية عبر التاريخ.
3. الأسلوب اللغوي والقانوني في شريعة حمورابي
تتميز شريعة حمورابي بأسلوب لغوي وقانوني فريد من نوعه يعكس البيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأت فيها. يمكن فهم الأسلوب اللغوي والقانوني في هذه الشريعة من خلال التركيز على خصائص الكتابة، والأسلوب الأدبي، واستخدام اللغة القانونية.
الأسلوب اللغوي في شريعة حمورابي:
1. لغة سافرة وواضحة:
استخدم حمورابي لغة بابلية قديمة، وهي لغة واضحة ودقيقة، بحيث كانت مفهومة للأشخاص العاديين الذين لم يكونوا بالضرورة متعلمين. كان الهدف من هذه اللغة هو أن يتمكن جميع أفراد المجتمع من فهم القوانين المقررة عليهم.
2. البساطة في الأسلوب:
لم تكن اللغة معقدة أو مليئة بالمصطلحات القانونية التقنية كما في القوانين الحديثة، بل كانت صياغاتها مباشرة وسهلة بحيث يمكن لأي شخص معرفة ما هو محظور وما هو مسموح به. استخدم النص أسلوبًا جُمليًّا بسيطًا يبتعد عن التفصيلات الطويلة.
3. التكرار والتأكيد:
كان التكرار جزءًا من الأسلوب اللغوي في شريعة حمورابي، حيث كان يكرر العديد من المبادئ بشكل ملحوظ مثل "العين بالعين" و"الجزاء العادل". التكرار يعكس أهمية الفكرة ويعزز من قوة القانون في أعين المتلقين.
4. التوازن بين السرد والإجمال:
نصوص الشريعة كانت تُعبّر عن قواعد قانونية واضحة بطريقة توازن بين السرد والاختصار، مما يسهل فهمها وتنفيذها.
الأسلوب القانوني في شريعة حمورابي:
1. التحديد الدقيق للعقوبات:
كان الأسلوب القانوني في شريعة حمورابي يتميز بتحديد العقوبات بشكل صارم لكل جريمة أو مخالفة. على سبيل المثال، كان القانون يحدد بدقة العقوبات لكل جريمة مثل السرقة، القتل، أو الأضرار المادية، مع مبدأ "العين بالعين، والسن بالسن" الذي أرسى قاعدة العدالة الانتقامية.
2. القانون المبني على المساواة النسبية:
على الرغم من أن القوانين كانت تطبق بشكل صارم، إلا أن شريعة حمورابي كانت تميز بين الطبقات الاجتماعية. فالأشخاص من الطبقات العليا كانوا يعاملون بشكل مختلف عن الفلاحين أو العبيد، ما يعكس التفاوت الطبقي في تطبيق العقوبات.
3. الشروط والظروف الخاصة:
كما هو الحال في القوانين الحديثة، كانت شريعة حمورابي تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة لكل حالة. على سبيل المثال، إذا كان الشخص قد ارتكب جريمة تحت تأثير الضغط أو القسر، قد تُخفف العقوبة. هذه الفكرة تُمثل بعض أسس العدالة التي تشمل القيم الأخلاقية والإنسانية.
4. القانون كأداة لتحقيق النظام:
شريعة حمورابي كانت تهدف إلى تحقيق النظام الاجتماعي والسياسي. كانت القوانين تفرض التزامات على الأفراد لحماية الأمن والنظام العام، وكانت تطبق بشكل غير قابل للتفاوض على الجميع، مع الحفاظ على هيبة السلطة الملكية والعدالة.
5. التركيز على العدالة الجزائية:
الأسلوب القانوني في شريعة حمورابي كان يركز بشكل كبير على العدالة الجزائية بمعنى أن كل فعل خاطئ يقابل بعقوبة تتناسب مع جسامة الجريمة، ما يظهر مبدأ "الجزاء العادل" الذي يعد من أبرز سمات هذه الشريعة.
الأسلوب الرمزي في شريعة حمورابي:
استخدم حمورابي في مسلته رمزًا قانونيًا مميزًا، فقد كان نقش المسلة نفسه يتمتع برمزية قوية. تجسد المسلة في تصميمها الرمزي وجود السلطة الملكية المطلقة، حيث يظهر الملك وهو يتلقى الشريعة من إله الشمس شمش. هذه الرمزية تعزز من الإيمان بأن هذه القوانين تأتي من مصدر أعلى، مما يعزز من سلطتها وقدسيتها في نظر الشعب.
الاستنتاج:
يمكن القول أن الأسلوب اللغوي والقانوني في شريعة حمورابي يعكس الحرص على الوضوح والعدالة، بينما يبرز فيه التوازن بين الصرامة في تطبيق القوانين والمرونة في معالجة ظروف الحالات الخاصة.
4. أهمية المسلة كنص تاريخي
تعتبر مسلة حمورابي واحدة من أبرز الآثار التاريخية التي تجمع بين القانون والسياسة والثقافة في العصور القديمة. فهي ليست مجرد نقش قانوني، بل هي أيضًا مصدر تاريخي هام يقدم لنا رؤية شاملة عن الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في بلاد ما بين النهرين خلال فترة حكم الملك حمورابي. وإليك أبرز جوانب أهمية المسلة كنص تاريخي:
1. وثيقة قانونية مؤرخة:
تعد المسلة واحدة من أقدم وأهم الوثائق القانونية المكتوبة في التاريخ. فهي تحتوي على مجموعة من القوانين التي وضعتها الدولة البابلية تحت حكم الملك حمورابي، ما يجعلها مصدرًا مباشرًا لفهم الأسس القانونية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. تحتوي المسلة على حوالي 282 مادة قانونية تغطي مجالات متعددة مثل العقوبات، حقوق الملكية، الأسرة، التجارة، والأخلاقيات.
2. مصدر لفهم النظام الاجتماعي والاقتصادي:
من خلال النصوص التي تحتويها المسلة، يمكننا التعرف على التنظيم الاجتماعي في بلاد ما بين النهرين، حيث تتضمن قوانين تتعلق بحقوق المرأة، الأطفال، والعبيد، كما تحدد مكانة الأفراد في المجتمع بناءً على طبقتهم الاجتماعية. كما تبرز قوانين التجارة والملكية التي كانت أساسية في تنظيم الاقتصاد في ذلك الوقت، وتوضح كيف كان يتم تنظيم الأنشطة التجارية والمالية.
3. تأكيد على سلطة الملك وتقديس النظام القانوني:
المسلة لا تعكس فقط القوانين بل تشير أيضًا إلى التأثير الكبير للملك حمورابي. ففي النصوص، يظهر الملك وهو يتلقى القوانين من إله الشمس "شمش"، مما يعكس الاعتقاد السائد بأن القوانين تأتي من سلطة إلهية، مما يعزز شرعية حكم الملك. هذه الرمزية تظهر كيف كان يستخدم النظام القانوني كأداة لتثبيت السلطة المركزية وتعزيز سلطة الملك في جميع أرجاء الإمبراطورية.
4. الوثيقة التاريخية عن الثقافة الدينية:
تعد المسلة أيضًا وثيقة تاريخية تلقي الضوء على الثقافة الدينية في بلاد ما بين النهرين. فالقوانين التي تتضمنها تشير إلى دور الدين في تشكيل الحياة اليومية والقوانين المدنية. كانت الآلهة، مثل "شمش"، تُعتبر مرجعًا نهائيًا للعدالة، وكان يُعتقد أن الملك يلتزم بتطبيق هذه العدالة السماوية. وبالتالي، المسلة تقدم رؤية شاملة للعلاقة بين الدين والسياسة في العصر البابلي.
5. أداة لفهم العلاقات بين الأمم والشعوب:
المسلة تذكر تفاصيل عن العلاقات السياسية بين بابل والدول الأخرى في المنطقة مثل أكد، وسومر، وأشور. كما تقدم بعض المواد القانونية الخاصة بالحروب، والغزوات، والعلاقات بين الحكام المحليين والدولة المركزية. وبالتالي، تعد المسلة مصدرًا تاريخيًا غنيًا لفهم التفاعلات الدولية في الشرق الأوسط القديم.
6. مرجع للمقارنة مع القوانين الأخرى:
المسلة تمثل أيضًا مرجعًا هامًا للمقارنة مع أنظمة قانونية أخرى في العصور القديمة مثل شريعة التوراة في العهد القديم أو شريعة الفراعنة في مصر القديمة. يمكن للمؤرخين أن يعقدوا مقارنة بين هذه القوانين لتحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الأيديولوجيات القانونية في الثقافات المختلفة.
7. دورها في الحفاظ على الذاكرة القانونية:
لقد ساهمت المسلة في الحفاظ على الذاكرة القانونية لبلاد ما بين النهرين وأتاحت للأجيال القادمة من الناس فهم الأسس التي قامت عليها قضايا العدالة والحقوق في ذلك العصر. يمكن اعتبارها بمثابة إعلان دستوري أو مجموعة قوانين منحت الأفراد في الإمبراطورية تصورًا واضحًا حول ما هو مسموح به وما هو محظور.
تعتبر مسلة حمورابي نصًا تاريخيًا ذو أهمية استثنائية؛ فهي ليست فقط عبارة عن مجموعة قوانين، بل هي وثيقة ثقافية ودينية وقانونية وفكرية تمنحنا فهماً عميقًا لحياة شعوب بلاد ما بين النهرين في العصر البابلي. إن هذه المسلة تقدم لنا نافذة على تطور النظام القانوني في العصور القديمة ودوره في تشكيل المجتمعات، مما يجعلها أحد أقدم وأهم النصوص القانونية التي أثرت على تشريعات العالم القديم.
اقرأ أيضا مقالات تكميلية
- التنظيم القانوني في شريعة حمورابي . رابط
- نبذة عامة حول شريعة حمورابي-بابل. رابط
- بحث حول العلوم المساعدة لعلم الآثار . رابط
- نبذة تاريخية حول علم الاثار النشأة مراحل تطوره . رابط
- تعريف علم الآثار-خصائصه وأنواع . رابط
- علماء الآثار-حراس التراث الإنساني . رابط
- أنواع و فروع علم الآثار . رابط
- بحث حول تخصص علم الآثار و فروعه . رابط
- المتاحف التاريخية وعلم الآثار. رابط
- المتاحف الفنية و علم الأثار. رابط
- المتاحف الطبيعية-علم الأثار. رابط
- المتاحف الأثرية-علم الأثار. رابط
- الأطلال والمواقع البحرية القديمة-علم الأثار البحرية-الآثار الغارقة. رابط
- الترميم الرقمي للأثار-علم الاثار. رابط
- بحث حول المواد الأثرية-علم الأثار. رابط
- تقنية التحليل الطبوغرافي و علم الآثار. رابط
- الصورالجوية للمواقع الأثرية-علم الآثار الجوية. رابط
- التأريخ بالكربون المشع C-14 و علم الأثار. رابط
- علم الآثار البيئية . رابط
- الستراتيجرافيا-التنقيب في علم الآثاروالجيولوجيا. رابط
- مراحل البحث الأثري-علم الأثار. رابط
- المراكز الوطنية للبحث في علم الآثار. رابط
- طرق وأساليب الكشف عن الآثار-علم الأثار. رابط
- بحث حول الملف الأثري. رابط
- بحث حول الأثار القديمة. رابط
- ترميم و صيانة التحف الأثرية في علم الآثار. رابط
- الحفرية الأثرية والتنقيب في علم الآثار . رابط
- تعريف الكنوز الأثرية الأنواع والأهمية. رابط
- بحث حول الاكتشافات الأثرية في علم الأثار . رابط
- بحث حول القطع والتحف الأثرية والتحف الفنية القديمة-علم الأثار . رابط
- العلاقة بين علم الاثار وعلم التأريخ . رابط
- بحث حول المصادر المادية في علم الاثار . رابط
- المؤسسات الثقافية وهياكل البحث الأثري . رابط
- التراث الثقافي الحفاظ على نسيج الهوية الإنسانية . رابط
- التقرير الاثري. رابط
- عالم الأبحاث الأثرية في علم الأثار . رابط
- المواقع الأثرية حمايتها وتسييرها . رابط
- علم الأثار التقرير الأثري . رابط
- طرق تأريخ الأثار . رابط
- الأعمال المخبرية في الحفرية . رابط
- المسح الأثري أنواعه وتقنياته . رابط
- بحث حول العلوم المساعدة لعلم الآثار . رابط
مراجع
1. "شريعة حمورابي" (إصدارات) - يقدم هذا الكتاب دراسة عن حمورابي، ملوك العراق القديم، وإنجازاته الإصلاحية في إدارة الدولة وإقامة العدل. يُعرض فيه تطور الشريعة وأهمية القوانين البابلية.
2. "قوانين حمورابي: دراسة في تاريخ القانون" - يتناول الكتاب تحليل قوانين حمورابي ويقدم فحصاً للشرائع القديمة وتأثيراتها على النظم القانونية في تلك الحقبة.
3. "شريعة حمورابي" - هذا الكتاب يعرض تفاصيل شريعة حمورابي وكيف أنها جمعت قوانين متنوعة وحسب احتياجات العصر آنذاك، مع توضيح سياقها الثقافي والتاريخي.
4. "حمورابي وقانوناته" - يوضح الكتاب كيف شكلت قوانين حمورابي الأساس لنظام قانوني عادل في الإمبراطورية البابلية، وركز على القضايا المتعلقة بالعدالة والمساواة.
5. "قوانين الملك حمورابي: تاريخ وتشريعات" - دراسة حول تأثير قوانين حمورابي على المجتمعات القديمة من خلال مسح تاريخي شامل لحكمه.
6. "الشرائع السومرية وحمورابي" - يتناول هذا الكتاب المقارنة بين شريعة حمورابي وشرائع أخرى من الحضارات المجاورة، ويدرس تأثير حمورابي على قوانين الحكم في ذلك الوقت.
7. "قوانين العراق القديم: شريعة حمورابي" - يعرض الكتاب أنماط القوانين والإصلاحات التي نفذها حمورابي لتنظيم المجتمع البابلي، ويقارنها بالتشريعات السومرية.
8. "العدالة في شريعة حمورابي" - يناقش هذا الكتاب مبدأ العدالة في قوانين حمورابي وطرق تطبيق هذه القوانين في الحياة اليومية للمواطنين في الإمبراطورية البابلية.
9. "شريعة حمورابي وآثارها القانونية في الشرق القديم" - يستعرض الكتاب تأثير شريعة حمورابي في تشكيل المفاهيم القانونية في العصور القديمة، وكذلك دورها في استقرار الدولة.
10. "الشريعة القانونية في بابل: شريعة حمورابي" - يتناول الكتاب دراسة مفصلة حول القوانين التي طبقت في عهد حمورابي، ويبحث في التفاصيل القانونية والاجتماعية التي حددت حياة الأفراد في ذلك العصر.
تعليقات