القائمة الرئيسية

الصفحات

الاستعمار الإسباني

بحث حول الاستعمار الإسباني

الاستعمار الإسباني يعتبر واحدًا من أهم الفصول في التاريخ العالمي. بدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر واستمر لعدة قرون. كانت إسبانيا واحدة من القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى التي امتدت نفوذها عبر أمريكا اللاتينية والجنوب الغربي للولايات المتحدة وأجزاء من الفلبين ومنطقة البحر الكاريبي.

بداية الاستعمار الإسباني

  • بدأ الاستعمار الإسباني في أواخر القرن الخامس عشر بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس للعالم الجديد في عام 1492، وهو حدث يعتبر بداية رسمية للوجود الأوروبي في الأمريكتين. كولومبوس، الذي مولت رحلاته الملكة إيزابيلا والملك فرديناند من إسبانيا، كان يسعى للعثور على طريق تجاري جديد إلى الهند، ولكنه وصل إلى جزر البحر الكاريبي، بما في ذلك جزيرة هيسبانيولا (التي تضم اليوم هاييتي وجمهورية الدومينيكان).

  • سرعان ما بدأت إسبانيا في تأسيس مستعمراتها في العالم الجديد، حيث كانت أول مستعمرة إسبانية دائمة في العالم الجديد هي سانتو دومينغو على جزيرة هيسبانيولا في عام 1496. كان الهدف الرئيسي للمستعمرين الإسبان استغلال الموارد الاقتصادية في المنطقة، خاصة الذهب والفضة، وكانوا يستخدمون السكان الأصليين كعمالة تحت نظام الإينكوميندا، الذي سمح للإسبان بالسيطرة على السكان الأصليين واستغلالهم اقتصاديًا.

  • هذا التوسع لم يقتصر على البحر الكاريبي فقط، بل امتد ليشمل معظم أمريكا الجنوبية والوسطى وشمال أمريكا. أهم الشخصيات في هذا التوسع كانت هرنان كورتيس الذي غزا إمبراطورية الأزتك في المكسيك عام 1519، وفرانسيسكو بيزارو الذي هزم إمبراطورية الإنكا في البيرو في ثلاثينيات القرن السادس عشر.

أهداف الاستعمار الإسباني

1. البحث عن الثروة والموارد الاقتصادية:

   كان الدافع الرئيسي وراء الاستعمار الإسباني هو البحث عن الثروات الطبيعية، وخاصة الذهب والفضة. إسبانيا كانت تطمح إلى تعزيز اقتصادها من خلال استغلال الموارد الموجودة في العالم الجديد. الثروات المعدنية المكتشفة في الأمريكتين كانت مصدرًا رئيسيًا لتمويل الإمبراطورية الإسبانية وتوسيع نفوذها عالميًا.

2. الرغبة في توسيع النفوذ السياسي:

   إسبانيا كانت تسعى لتوسيع إمبراطوريتها والتفوق على القوى الأوروبية المنافسة مثل البرتغال، فرنسا، وإنجلترا. السيطرة على الأراضي الجديدة كان يعزز مكانة إسبانيا كقوة عالمية ويعزز نفوذها في السياسة الدولية خلال عصر الاستكشاف.

3. نشر المسيحية:

   كان نشر المسيحية الكاثوليكية من خلال التبشير هدفًا مهمًا للاستعمار الإسباني. بعد سقوط غرناطة في عام 1492 ونهاية حكم المسلمين في إسبانيا، أصبحت الكنيسة الكاثوليكية حليفًا قويًا للتاج الإسباني في دعم التوسع البحري. كانت إسبانيا ترى في نشر المسيحية واجبًا دينيًا يتماشى مع طموحاتها الاستعمارية، فكانت تبعث بالمبشرين لنشر الكاثوليكية بين السكان الأصليين.

4. المنافسة مع البرتغال:

   كانت إسبانيا تسعى لمنافسة البرتغال في السيطرة على الطرق التجارية البحرية والوصول إلى الموارد الجديدة. اتفاقية توردسيلاس عام 1494، التي قسمت العالم الجديد بين إسبانيا والبرتغال، كانت محاولة لتقاسم النفوذ، ولكنها زادت من المنافسة بين البلدين.

5. الاهتمام بالاستكشاف والمغامرة:

   عصر الاستكشاف الأوروبي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر شجع البحارة والمستكشفين مثل كريستوفر كولومبوس، وفاسكو نونيز دي بالبوا، وهيرنان كورتيس على السعي لاستكشاف الأراضي الجديدة. كانت هذه الروح من المغامرة والطموح تشكل جزءًا من دوافع الإسبان في البحث عن أراض جديدة.

6. الرغبة في الوصول إلى طرق تجارية جديدة:

   كان الدافع الأولي وراء رحلة كولومبوس هو إيجاد طريق بديل للوصول إلى أسواق التوابل في آسيا. مع سقوط القسطنطينية عام 1453 وسيطرة العثمانيين على طرق التجارة الشرقية، سعت إسبانيا للبحث عن طرق بحرية جديدة للتجارة.

   الاستعمار الإسباني كان نتيجة لتداخل عوامل اقتصادية، سياسية، دينية واستكشافية، جميعها شكلت دافعًا كبيرًا لإسبانيا لتوسيع نفوذها في العالم الجديد.

أسباب الاستعمار الإسباني

1. البحث عن الثروات:

   كان الدافع الرئيسي للاستعمار الإسباني هو البحث عن الموارد الطبيعية مثل الذهب والفضة. كانت إسبانيا تسعى لزيادة ثرواتها عن طريق استغلال الموارد الجديدة التي تم اكتشافها في العالم الجديد (الأمريكتين).

2. التوسع السياسي:

   كانت إسبانيا ترغب في تعزيز نفوذها كإمبراطورية أوروبية رائدة من خلال توسيع أراضيها والسيطرة على مستعمرات جديدة، مما زاد من قوتها السياسية والعسكرية.

3. نشر المسيحية:

   كان نشر المسيحية الكاثوليكية هدفًا دينيًا أساسيًا للاستعمار. رأت إسبانيا في ذلك واجبًا مقدسًا، حيث أرسلت المبشرين لتحويل السكان الأصليين في المستعمرات إلى الديانة المسيحية.

4. المنافسة مع القوى الأوروبية:

   كانت إسبانيا تسعى إلى منافسة البرتغال وفرنسا وإنجلترا في السيطرة على الأراضي والطرق البحرية والتجارية، مما زاد من حدة الاستعمار الأوروبي.

5. البحث عن طرق تجارية جديدة:

   إسبانيا كانت تسعى لاكتشاف طرق بحرية جديدة للوصول إلى آسيا بسبب القيود التي فرضتها الإمبراطورية العثمانية على الطرق البرية إلى الشرق الأوسط وآسيا.

   الأسباب الاقتصادية، الدينية، والسياسية شكلت مجتمعة دوافع قوية وراء الاستعمار الإسباني، مع التركيز على تعزيز النفوذ الدولي وزيادة الثروات.

مناطق الاستعمار الإسباني

1. أمريكا الجنوبية:

   كانت أمريكا الجنوبية واحدة من أبرز مناطق الاستعمار الإسباني، حيث سيطر الإسبان على مناطق واسعة تشمل:

   - البيرو: بعد هزيمة إمبراطورية الإنكا.

   - الأرجنتين.

   - بوليفيا.

   - تشيلي.

   - كولومبيا.

   - الإكوادور.

   - فنزويلا.

2. أمريكا الوسطى:

   شملت السيطرة الإسبانية دولًا مثل:

   - غواتيمالا.

   - كوستاريكا.

   - هندوراس.

   - نيكاراغوا.

   - بنما.

3. المكسيك:

   سيطرت إسبانيا على المكسيك بعد هزيمة إمبراطورية الأزتك عام 1521، وكانت المكسيك من أهم مستعمرات إسبانيا، والتي عرفت باسم "إسبانيا الجديدة".

4. جزر الكاريبي:

   شملت المستعمرات الإسبانية في منطقة البحر الكاريبي:

   - كوبا.

   - بورتوريكو.

   - الجمهورية الدومينيكية.

   - جامايكا (قبل أن تصبح تحت السيطرة البريطانية لاحقًا).

5. أمريكا الشمالية:

   - فلوريدا: كانت جزءًا من المستعمرات الإسبانية قبل أن يتم بيعها للولايات المتحدة في عام 1821.

   - كاليفورنيا وتكساس ونيومكسيكو: هذه المناطق كانت أيضًا تحت السيطرة الإسبانية لفترات قبل أن تصبح جزءًا من الولايات المتحدة.

6. الفلبين: 

   في آسيا، كانت الفلبين مستعمرة إسبانية هامة، وهي واحدة من أولى المستعمرات الإسبانية في المنطقة، وكانت تسمى باسم الملك فيليب الثاني.

7. شمال إفريقيا:

   شملت المستعمرات الإسبانية في إفريقيا بعض المواقع الساحلية مثل:

   - سبتة ومليلية (مدن على الساحل الشمالي المغربي).

   - مناطق صغيرة في الصحراء الكبرى والساحل الغربي.

   امتد الاستعمار الإسباني على نطاق واسع عبر الأمريكتين، مناطق في آسيا، وشمال إفريقيا، مما جعل إسبانيا واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاستعمارية في التاريخ.

نظام الحكم الاستعماري

نظام الحكم الاستعماري الذي استخدمته إسبانيا في مستعمراتها كان مزيجًا من الإدارة المركزية والتحكم المباشر من إسبانيا، إضافة إلى استغلال الموارد والعمالة لصالح الدولة المستعمِرة. أبرز معالم هذا النظام تشمل:

1. الملكية المطلقة:

   كان الملك الإسباني هو السلطة العليا في الإمبراطورية الاستعمارية. جميع القرارات المتعلقة بإدارة المستعمرات كانت تصدر من الملك والمجلس الملكي في إسبانيا، وكان له السيطرة الكاملة على السياسات الاقتصادية والعسكرية والدينية في الأراضي المستعمرة.

2. نظام النيابة الملكية (نظام الفيسروي):

   لتسهيل إدارة المستعمرات البعيدة، قامت إسبانيا بتقسيم المستعمرات إلى "نواب الملك" (Viceroyalties)، حيث تم تعيين نواب الملك (الفيسرويات) لإدارة كل منطقة باسم الملك. على سبيل المثال:

   - نائب الملك في إسبانيا الجديدة (المكسيك وأمريكا الشمالية).

   - نائب الملك في البيرو (جنوب أمريكا).

   كان الفيسرويات يمثلون الملك وكان لهم سلطة إدارية واسعة تشمل تحصيل الضرائب وتنظيم التجارة والدفاع، لكنهم كانوا يخضعون لمراقبة مستمرة من السلطات المركزية في إسبانيا.

3. المجالس الملكية والمحاكم العليا:

   تأسست محاكم عليا تسمى "الأودينسيا" (Audiencias) في المستعمرات لتطبيق العدالة وحل النزاعات. كانت هذه المحاكم تخضع لإشراف مجلس "الإنديز" (Council of the Indies) في إسبانيا الذي كان يتولى الإشراف على كل ما يتعلق بإدارة المستعمرات.

4. نظام الاستعباد والعمالة القسرية:

   قامت إسبانيا بفرض نظام "الإينكومييندا" (Encomienda)، حيث تم توزيع الأراضي والهنود الأصليين على المستعمرين الإسبان، الذين كانوا يستفيدون من عملهم القسري مقابل "حمايتهم" وتعليمهم المسيحية. كان هذا النظام أساس الاستغلال الاقتصادي في المستعمرات، وغالبًا ما أدى إلى قمع واستغلال السكان الأصليين.

5. السيطرة الاقتصادية:

   - اعتمدت إسبانيا على نظام الاحتكار التجاري، حيث كانت جميع السلع المنتجة في المستعمرات تُصدر إلى إسبانيا أولاً قبل إعادة تصديرها. 

   - المعادن الثمينة، خاصة الفضة والذهب من مناجم المكسيك والبيرو، كانت عماد الاقتصاد الاستعماري الإسباني.

   - كانت التجارة تخضع لقوانين صارمة، حيث كان ممنوعًا على المستعمرات التعامل التجاري مع دول أخرى.

6. الدور الديني:

   - كان للكنيسة الكاثوليكية دور مركزي في النظام الاستعماري الإسباني، حيث تم تكليفها بنشر المسيحية بين السكان الأصليين.

   - تم بناء الأديرة والكنائس في كل أنحاء المستعمرات، ولعب المبشرون دورًا كبيرًا في فرض الثقافة الإسبانية على السكان.

كان نظام الحكم الاستعماري الإسباني هيكليًا صارمًا يعتمد على السلطة المركزية في مدريد، مع تقسيم المستعمرات إلى وحدات إدارية يديرها نواب الملك والمحاكم العليا. على الرغم من ذلك، كانت المستعمرات تعاني من استغلال السكان الأصليين والموارد لصالح إسبانيا.

التأثير على السكان الأصليين

كان للاستعمار الإسباني تأثير كبير ومدمر على السكان الأصليين في الأراضي التي سيطرت عليها، وقد تجلى ذلك في الجوانب التالية:

1. التراجع السكاني الهائل:

   - واحدة من أكثر الآثار وضوحًا كانت الانخفاض الكبير في عدد السكان الأصليين بسبب الأمراض الأوروبية مثل الجدري والحصبة، التي لم يكن لدى السكان الأصليين مناعة ضدها. قدرت بعض الدراسات أن ما يصل إلى 90% من السكان الأصليين في بعض المناطق لقوا حتفهم في العقود الأولى بعد وصول الإسبان.

   - إضافة إلى الأمراض، ساهمت الظروف القاسية للعمل القسري والمعاملة الوحشية في تراجع السكان. نظام الإينكومييندا فرض العمل القسري على السكان الأصليين في المناجم والمزارع، مما أدى إلى وفاة العديد منهم بسبب الإرهاق وسوء التغذية.

2. الاستعباد والعمل القسري:

   - فرض المستعمرون الإسبان نظام الإينكومييندا، الذي منح المستعمرين حق استخدام السكان الأصليين كعمال مقابل "حمايتهم" وتعليمهم المسيحية. لكن هذا النظام تحول في الواقع إلى شكل من أشكال العبودية.

   - كما تم فرض نظام الريبارتمينتو، الذي كان يتطلب من السكان الأصليين العمل لفترات معينة لصالح المستعمرين. وكان هذا النظام يؤدي إلى معاناة كبيرة وظروف معيشية سيئة للسكان الأصليين.

3. تدمير الثقافة والدين:

   - لعبت الكنيسة الكاثوليكية دورًا مهمًا في نشر المسيحية بين السكان الأصليين، مما أدى إلى تدمير المعتقدات الدينية التقليدية. تم بناء الكنائس في أماكن كانت تمثل مراكز روحية للسكان الأصليين، وتم حرق وتدمير المعابد والرموز الدينية الخاصة بهم.

   - تم فرض اللغة الإسبانية والثقافة الإسبانية على السكان الأصليين، مما أدى إلى فقدان الكثير من التراث الثقافي واللغوي. كانت الثقافة الإسبانية تعتبر الثقافة المتفوقة، وتم تهميش واحتقار ثقافات السكان الأصليين.

4. الاستيلاء على الأراضي:

   - تم الاستيلاء على الأراضي الزراعية التي كانت تمتلكها المجتمعات الأصلية، وتحويلها إلى مزارع كبيرة تابعة للإسبان. هذا أدى إلى تفكيك المجتمعات المحلية الأصلية وفقدان السكان الأصليين لوسائل رزقهم التقليدية.

   - تم تدمير الهياكل الاجتماعية التقليدية للسكان الأصليين، حيث فرض المستعمرون نماذج اجتماعية واقتصادية جديدة.

5. التهجين والاندماج الاجتماعي:

   - مع مرور الوقت، ظهر مجتمع مختلط نتيجة للتهجين بين الإسبان والسكان الأصليين (المستيزو). أدى ذلك إلى نشوء مجتمع جديد له هويته وثقافته الخاصة، ولكن مع استمرار التمييز العنصري ضد السكان الأصليين.

6. المقاومة والتحرر:

   - على الرغم من الاستغلال والظلم، قامت انتفاضات محلية للسكان الأصليين في محاولات لمقاومة الحكم الاستعماري، مثل ثورة تيباس في المكسيك وثورة البيرو بقيادة توباك أمارو. ومع ذلك، كانت هذه الانتفاضات غالبًا ما تُقمَع بعنف.

كان للاستعمار الإسباني تأثير عميق ومأساوي على السكان الأصليين في الأمريكيتين. من الانخفاض السكاني الكارثي إلى تدمير الثقافة والدين، ومن الاستعباد إلى الاستيلاء على الأراضي، عانى السكان الأصليون بشكل كبير تحت حكم الاستعمار الإسباني. ورغم ظهور ثقافات وهويات مختلطة لاحقًا، ظل الإرث الاستعماري محسوسًا في المجتمعات الأصلية حتى اليوم.

نهاية الاستعمار الإسباني

بدأت نهاية الاستعمار الإسباني في أوائل القرن التاسع عشر، وكانت مرتبطة بعدة عوامل داخلية وخارجية:

1. حروب الاستقلال في أمريكا اللاتينية:

   - بدأت حركات الاستقلال في أمريكا اللاتينية في أوائل القرن التاسع عشر، بقيادة زعماء مثل سيمون بوليفار وخوسيه دي سان مارتين. هذه الحركات استفادت من ضعف إسبانيا بسبب غزو نابليون لبلادها عام 1808 وما تبعه من اضطرابات داخلية.

   - اندلعت حروب الاستقلال في أجزاء مختلفة من أمريكا اللاتينية، وفي النهاية حصلت معظم المستعمرات الإسبانية على استقلالها خلال الفترة من 1810 إلى 1825.

2. الضعف الاقتصادي والسياسي في إسبانيا:

   - إسبانيا واجهت أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة خلال القرن التاسع عشر، مما جعلها غير قادرة على الحفاظ على سيطرتها على مستعمراتها. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت البلاد بالحروب الأوروبية والاضطرابات السياسية الداخلية.

3. فقدان المستعمرات الكبرى:

   - مع حصول المستعمرات في أمريكا اللاتينية على استقلالها، فقدت إسبانيا معظم ممتلكاتها الكبيرة. في نهاية القرن التاسع عشر، بقيت لها فقط مستعمرات قليلة، مثل كوبا وبورتوريكو والفلبين.

4. الحرب الأمريكية الإسبانية (1898):

   - كانت الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898 نقطة النهاية للاستعمار الإسباني. هزمت إسبانيا في هذه الحرب، مما أجبرها على التخلي عن مستعمراتها الأخيرة، بما في ذلك كوبا والفلبين وبورتوريكو لصالح الولايات المتحدة.

شهدت نهاية الاستعمار الإسباني فترة طويلة من الحروب والاستقلالات في أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى فقدان مستعمرات إسبانيا المتبقية في نهاية القرن التاسع عشر. مع الحرب الأمريكية الإسبانية، انتهى العصر الاستعماري الإسباني، وفقدت إسبانيا سيطرتها على جميع ممتلكاتها الكبرى.

تأثيرات الاستعمار الإسباني

ترك الاستعمار الإسباني تأثيرات عميقة على مختلف المناطق التي سيطر عليها، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. يمكن تقسيم تأثيرات الاستعمار الإسباني إلى عدة جوانب:

1. التأثير الثقافي واللغوي:

   - انتشرت اللغة الإسبانية على نطاق واسع في معظم أنحاء أمريكا اللاتينية، مما جعلها اللغة الرسمية في العديد من الدول حتى اليوم. 

   - كما ترك الاستعمار تأثيرًا كبيرًا على الثقافة المحلية من خلال الترويج للعادات والتقاليد الإسبانية، بما في ذلك المسيحية الكاثوليكية، التي أصبحت الديانة السائدة في معظم الدول التي كانت تحت الحكم الإسباني.

2. التأثير الديني:

   - كان التنصير جزءًا أساسيًا من سياسة الاستعمار الإسباني. عمل المبشرون على تحويل السكان الأصليين إلى الكاثوليكية، مما أدى إلى تغيرات دينية جذرية في المناطق المستعمرة. أنشئت الكنائس والمؤسسات الدينية التي استمرت في التأثير على المجتمعات المحلية لقرون.

3. التأثير الاجتماعي:

   - أحدث الاستعمار تغييرات اجتماعية كبيرة، حيث نشأت طبقات اجتماعية جديدة، كان فيها المستعمرون الإسبان وأحفادهم في أعلى الهرم الاجتماعي، بينما احتل السكان الأصليون والمستعبدون الأفارقة الطبقات الدنيا. 

   - أدى هذا التقسيم الاجتماعي إلى التمييز الطبقي والعنصري الذي استمر بعد نهاية الاستعمار.

4. التأثير الاقتصادي:

   - استغل الإسبان الموارد الطبيعية في المناطق المستعمرة، وخاصة الذهب والفضة، مما أدى إلى نهب الثروات المحلية واستنزاف الاقتصاد المحلي.

   - تحول الاقتصاد المحلي إلى نظام الزراعة التصديرية، حيث كانت المحاصيل مثل السكر والتبغ تُزرع لتصديرها إلى أوروبا. هذا النظام خلق اقتصادات غير متوازنة تعتمد على التصدير، وأدى إلى تهميش الصناعات المحلية.

5. التأثير على السكان الأصليين:

   - تعرض السكان الأصليون لاستغلال كبير، حيث فرض عليهم نظام السخرة، مثل نظام الإنكوميندا، الذي أجبرهم على العمل في المزارع والمناجم. 

   - تسبب الاستعمار في تدهور عدد السكان الأصليين نتيجة الأمراض التي نقلها المستعمرون مثل الجدري والحصبة، بالإضافة إلى الحروب والاستعباد.

6. التأثير السياسي:

   - فرضت إسبانيا نظامًا استعماريًا يعتمد على المركزية الشديدة، حيث كان المستعمرون يخضعون لسلطة إسبانيا، مع سيطرة محدودة للسكان المحليين على إدارة شؤونهم. 

   - بعد الاستقلال، واجهت العديد من الدول صعوبات في بناء أنظمة سياسية مستقرة بسبب الإرث الاستعماري الذي خلف انقسامات اجتماعية وسياسية.

كانت تأثيرات الاستعمار الإسباني واسعة النطاق وعميقة. من الناحية الثقافية، ساهم في انتشار اللغة والدين الإسباني، ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، أدى إلى تغييرات جذرية في هيكل المجتمعات المحلية. ظل العديد من هذه التأثيرات بارزًا في العالم الحديث، لا سيما في أمريكا اللاتينية.

خاتمة 

  • يُعد الاستعمار الإسباني واحدًا من أكثر الفترات التاريخية تأثيرًا في تطور العالم الحديث، حيث أسس لنظام عالمي جديد من خلال استكشافات الإسبان وتوسعهم في الأمريكتين وأجزاء من آسيا وأفريقيا. ترك هذا الاستعمار بصمة دائمة على الدول والمناطق التي احتلتها إسبانيا، سواء من حيث اللغة والثقافة أو الدين والاقتصاد.

  • ورغم المكاسب التي جنتها الإمبراطورية الإسبانية خلال قرون الاستعمار، إلا أن النتائج السلبية للاستعمار، مثل الاستغلال الاقتصادي، والظلم الاجتماعي، وتدمير ثقافات السكان الأصليين، لا تزال تؤثر على هذه المناطق حتى اليوم. إن نهاية الاستعمار الإسباني لم تُنهِ فقط السيطرة الإمبريالية على المستعمرات، بل دشنت أيضًا بدايات جديدة للنضال من أجل الاستقلال والحرية، مع تحديات كبيرة لإعادة بناء الهوية الوطنية والاقتصادية لتلك البلدان.

  • بهذا، يُنظر إلى الاستعمار الإسباني باعتباره تجربة معقدة تضم خليطًا من التأثيرات الإيجابية والسلبية التي لا تزال تلهم النقاشات التاريخية والثقافية حتى يومنا هذا.

مراجع  

1. تاريخ الاستعمار الإسباني في العالم الجديد - عبد الله العروي

2. الإمبراطورية الإسبانية: نشأتها وتاريخها - يوسف زيدان

3. الاستعمار الإسباني في الأمريكتين - حازم صاغية

4. أثر الاستعمار الإسباني على المجتمعات الأصلية - عماد الدين خليل

5. الاستعمار الإسباني في الفلبين - كمال عارف

6. التاريخ الاجتماعي للاستعمار الإسباني - فاطمة المرنيسي

7. الاستعمار الإسباني والثقافات المحلية - شريف عرفة

8. أزمات الاستعمار الإسباني في القرن العشرين - عيسى أوسام

9. الفكر الاستعماري الإسباني: أفكار وأيديولوجيات - فؤاد زكريا

10. الاستعمار الإسباني: السياسات والممارسات - رندة أبو الحسن

11. تأثير الاستعمار الإسباني على اللغة والثقافة - علي المندلاوي

12. الاستعمار الإسباني في المغرب - عبد الله كنون

13. أفريقيا تحت الاستعمار الإسباني - عبد الرحيم العلوي

14. الاستعمار الإسباني: ذاكرة وأثر - جاسم الهولي


تعليقات

محتوى المقال