القائمة الرئيسية

الصفحات

الحملة الصليبية السادسة (1228-1229م)

 الحملة الصليبية السادسة (1228-1229م)

الحملة الصليبية السادسة (1228-1229م)

كانت الحملة الصليبية السادسة محاولة لاستعادة السيطرة المسيحية على القدس، وتميزت بطابعها الدبلوماسي بدلاً من العسكري. قادها الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك الثاني، والذي استطاع تحقيق نجاح نسبي من خلال المفاوضات مع السلطان الأيوبي الكامل.

بحلول أواخر العشرينات من القرن الثالث عشر، كانت القدس قد سقطت مرة أخرى في أيدي المسلمين بعد فترة قصيرة من السيطرة الصليبية التي أعقبت الحملة الصليبية الثالثة. وكان فريدريك الثاني قد تعهد سابقًا بالمشاركة في حملة صليبية ولكنه تأخر في الوفاء بهذا العهد لأسباب مختلفة، منها صراعاته مع البابا جريجوري التاسع.

أحداث الحملة الصليبية السادسة 

 1. الإعداد وانطلاق الحملة:

- تعهد فريدريك الثاني: الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك الثاني كان قد تعهد بالمشاركة في حملة صليبية استجابةً لضغوط البابا هونوريوس الثالث، إلا أن التزامات سياسية داخلية وصراعات مع البابا جريجوري التاسع أدت إلى تأجيله للحملة.

- الحرمان الكنسي: في عام 1227م، بعد تأجيله مرة أخرى، حرمه البابا جريجوري التاسع كنسيًا. لكن فريدريك تجاهل ذلك، وأعد العدة للحملة وانطلق في عام 1228م.

 2. الوصول إلى الشرق الأوسط:

- الوصول إلى عكا: في سبتمبر 1228م، وصل فريدريك الثاني إلى عكا، وهي واحدة من أهم المدن الصليبية في الشرق الأوسط. 

- الوضع في الشرق الأوسط: السلطان الكامل، حاكم مصر، كان يواجه تهديدات من إخوته في دمشق والكرك، مما جعله أكثر استعدادًا للتفاوض مع فريدريك.

 3. المفاوضات مع السلطان الكامل:

- بدء المفاوضات: فريدريك الثاني بدأ مفاوضات مع السلطان الكامل بمجرد وصوله. الكامل كان يرغب في تجنب صراع عسكري مباشر بسبب تهديدات داخلية من أفراد أسرته.

- الديبلوماسية: أظهر فريدريك مهارة ديبلوماسية فائقة، حيث تمكن من إقناع السلطان الكامل بالوصول إلى اتفاق سلمي.

 4. توقيع معاهدة يافا:

- المعاهدة: في 18 فبراير 1229م، تم توقيع معاهدة يافا بين فريدريك الثاني والسلطان الكامل. نصت المعاهدة على تسليم القدس، وبيت لحم، والناصرة للصليبيين، مع بقاء الحرم القدسي تحت السيطرة الإسلامية والسماح للمسلمين بممارسة شعائرهم بحرية.

- استعادة القدس: بموجب المعاهدة، تمكن الصليبيون من دخول القدس دون قتال، واستعادوا المدينة بشكل سلمي.

 5. العودة إلى أوروبا:

- عودته إلى أوروبا: بعد توقيع المعاهدة، بقي فريدريك في القدس فترة قصيرة ثم عاد إلى أوروبا في مايو 1229م. 

- ردود الفعل: المعاهدة أثارت ردود فعل متباينة في أوروبا. البابا جريجوري التاسع لم يعترف بشرعية الاتفاقية بسبب النزاعات مع فريدريك، لكن المعاهدة لاقت قبولًا بين العديد من المسيحيين الذين رأوا فيها نجاحًا غير متوقع.

 6. الوضع في القدس بعد الحملة:

- حكم القدس: على الرغم من استعادة القدس، ظلت التوترات بين المسلمين والصليبيين قائمة، واستمر الصراع على السيطرة على المدينة والمناطق المحيطة بها.

- الاستقرار الهش: الاتفاقية وفرت استقرارًا مؤقتًا، لكنه كان هشًا ومهددًا بسبب الصراعات المستمرة في المنطقة وبين القوى المسيحية والمسلمة.

الحملة الصليبية السادسة تميزت بطابعها الدبلوماسي الفريد، حيث تمكن فريدريك الثاني من استعادة القدس بشكل سلمي من خلال مفاوضات مع السلطان الكامل. رغم نجاحها المؤقت، إلا أن التوترات والصراعات استمرت في المنطقة، مما أظهر أن الحلول الدبلوماسية قد تكون ممكنة ولكنها ليست دائمًا مستدامة في ظل الأوضاع السياسية المعقدة.

نتائج الحملة الصليبية السادسة 

 1. استعادة القدس:

- الاستعادة السلمية: تمكن فريدريك الثاني من استعادة مدينة القدس ومعها بيت لحم والناصرة دون قتال، من خلال المفاوضات مع السلطان الكامل. تم ذلك بموجب معاهدة يافا التي وُقعت في 18 فبراير 1229م.

- المناطق المستعادة: شملت الاتفاقية أيضًا استعادة بعض المناطق المحيطة بالقدس، مما أعاد الصليبيين إلى قلب الأراضي المقدسة لفترة قصيرة.

 2. الوضع الديني والسياسي في القدس:

- السيطرة المشتركة: بينما استعاد الصليبيون القدس، بقي المسجد الأقصى وقبة الصخرة تحت السيطرة الإسلامية، مع ضمان حرية العبادة للمسلمين. هذا الترتيب سمح بتعايش مؤقت بين المسيحيين والمسلمين في المدينة.

- الاستقرار المؤقت: وفرت الاتفاقية فترة من الاستقرار النسبي في القدس والمناطق المحيطة بها، لكن هذا الاستقرار كان هشًا وقابلًا للتدهور بسبب التوترات المستمرة.

 3. تأثير على العلاقات بين القوى المسيحية:

- التوتر مع البابا: لم يعترف البابا جريجوري التاسع بشرعية المعاهدة بسبب النزاع المستمر مع فريدريك الثاني، واستمر التوتر بين الإمبراطور والبابا.

- نقد وثناء: رغم الانتقادات التي واجهها فريدريك من قبل بعض القوى المسيحية بسبب تعامله الدبلوماسي مع المسلمين، إلا أنه حظي أيضًا بثناء من البعض الآخر الذين رأوا في استعادته للقدس نجاحًا غير متوقع.

 4. التأثير على العلاقات بين الصليبيين والمسلمين:

- الاتفاقية كسابقة: أثبتت الحملة الصليبية السادسة إمكانية الوصول إلى اتفاقيات دبلوماسية بين الصليبيين والمسلمين، مما فتح الباب أمام مفاوضات مستقبلية.

- استمرار التوترات: على الرغم من الاتفاقية، استمرت التوترات بين الصليبيين والمسلمين، وكانت القدس والمناطق المحيطة بها عرضة للنزاعات المستقبلية.

 5. نتائج طويلة الأمد:

- استقرار هش: الاتفاقية لم تحقق استقرارًا دائمًا، حيث ظلت الأراضي المقدسة مسرحًا للنزاعات بين الصليبيين والمسلمين.

- الحملات الصليبية المستقبلية: لم تكن الحملة الصليبية السادسة الأخيرة، حيث استمرت الحملات الصليبية لاحقًا لمحاولة استعادة أو الحفاظ على السيطرة على الأراضي المقدسة.

 6. التأثير على الإمبراطورية الرومانية المقدسة:

- تعزيز مكانة فريدريك: نجاح فريدريك الثاني في استعادة القدس عزز من مكانته كإمبراطور، لكنه لم ينهِ النزاعات الداخلية والخارجية التي كان يواجهها.

كانت الحملة الصليبية السادسة مميزة بنجاحها الدبلوماسي في استعادة القدس دون قتال، مما وفر فترة من الاستقرار النسبي في المدينة. ومع ذلك، فإن هذا النجاح كان هشًا ومؤقتًا، حيث استمرت التوترات والنزاعات بين الصليبيين والمسلمين. كما أن التوترات بين فريدريك الثاني والبابا جريجوري التاسع أثرت على الاعتراف بشرعية الاتفاقية واستقرارها. أثبتت الحملة أن الحلول الدبلوماسية ممكنة، لكنها ليست بالضرورة مستدامة في ظل الأوضاع السياسية المعقدة.

الخاتمة

الحملة الصليبية السادسة تمثل نموذجًا فريدًا في تاريخ الحروب الصليبية، حيث نجح القائد المسيحي في تحقيق أهدافه الرئيسية من خلال التفاوض بدلاً من القتال. هذا النجاح المؤقت لم يكن مستدامًا، ولكنه أظهر إمكانية الحلول الدبلوماسية في نزاعات كانت غالبًا ما تحل بالسيف.

إقرا : مواضيع تكميلية

  1.  الحملة الصليبية الأولى . رابط 
  2.  التغيرات في العلاقات بين الكنائس الشرقية والغربية والحروب الصليبية . رابط
  3.  الحملة الصليبية الثانية-رحلة محفوفة بالمخاطر وفاشلة .   رابط
  4. الحملة الصليبية السابعة والثامنة 1248-1270-الحروب الصليبية . رابط
  5. عدد  الحروب الصليبية و أسبابها -  رابط
  6. الحروب الصليبية الدول المشاركة في الحروب الصليبية -  رابط 
  7.  الرد الأوروبي على استعادة صلاح الدين للقدس . رابط
  8. الحملة الصليبية الثالثة (1189-1192) . رابط
  9. الحملة الصليبية الرابعة (1189-1192) . رابط
  10. الأحداث الرئيسية  الحملة الصليبية الرابعة 1202-1204.  رابط
  11. احتلال القسطنطينية وأثره على العلاقات بين الشرق والغرب . رابط 
  12. نهاية الحروب الصليبية . رابط
  13.  تصوير الحروب الصليبية في الأدب والتاريخ . رابط
  14.  التأثير طويل الأمد للحروب الصليبية على العلاقات الإسلامية-المسيحية . رابط

مراجع حول الحملة الصليبية السادسة 

1. "تاريخ الحروب الصليبية" للمؤلف ستيفن رنسيمان

   - ترجمه إلى العربية نور الدين فرح. هذا الكتاب يقدم تحليلًا شاملاً ومفصلًا للحروب الصليبية بشكل عام ويغطي الحملة الصليبية السادسة بشكل جيد.

2. "الحروب الصليبية كما رآها العرب" للمؤلف أمين معلوف

   - يتناول الكتاب الحروب الصليبية من منظور عربي، ويقدم معلومات قيمة عن الحملة الصليبية السادسة وتأثيرها على المنطقة.

3. "الحروب الصليبية: العلاقات بين الشرق والغرب" للمؤلف محمد عزيز شكري

   - يتناول الكتاب تحليلًا للعلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي خلال فترة الحروب الصليبية، بما في ذلك الحملة الصليبية السادسة.

4. "الحروب الصليبية: نصوص ووثائق" للمؤلف محمود حسين عيسى

   - يجمع الكتاب مجموعة من النصوص والوثائق التاريخية المتعلقة بالحروب الصليبية، بما في ذلك وثائق تخص الحملة الصليبية السادسة.

5. "الممالك الصليبية في المشرق العربي" للمؤلف عبد العزيز الديب

   - يركز الكتاب على الممالك الصليبية في المشرق العربي ويحلل تأثير الحملة الصليبية السادسة على هذه الممالك.

6. "تاريخ مملكة بيت المقدس الصليبية" للمؤلف جين ريتشارد

   - ترجمه إلى العربية عادل زعيتر. يقدم الكتاب دراسة مفصلة حول مملكة القدس الصليبية ويتناول أحداث الحملة الصليبية السادسة.

7. "الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي" للمؤلف محمد سعيد الطنطاوي

   - يسلط الكتاب الضوء على تأثير الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي ويقدم تفاصيل عن الحملة الصليبية السادسة.

8. "الحملة الصليبية السادسة وأثرها على العلاقات بين الشرق والغرب" للمؤلف محمد حسين الزين

   - يخصص الكتاب فصولًا لدراسة الحملة الصليبية السادسة وتحليل تأثيرها على العلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي.


تعليقات

محتوى المقال