القائمة الرئيسية

الصفحات

 الزقورة وحضارة بلاد الرافدين

الزقورة وحضارة بلاد الرافدين

بلاد الرافدين، أو ما يُعرف بين النهرين، هي إحدى أقدم الحضارات الإنسانية التي نشأت في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات في العراق الحالي. ازدهرت هذه الحضارة بين عامي 3500 ق.م و539 ق.م، واشتهرت بإنجازاتها في مجالات الكتابة والقانون والفنون والعمارة. واحدة من أبرز مظاهر العمارة في حضارة بلاد الرافدين هي الزقورة، وهي معابد ضخمة بُنيت لتكون مقرات للآلهة ومراكز للعبادة.

تعريف الزقورة

الزقورة هي بنية ضخمة مستطيلة الشكل ترتفع على عدة مصاطب متدرجة، تنتهي بمعبد في قمتها. يعود أصل تسمية "زقورة" إلى اللغة السومرية "زيغورات"، وتعني "البناء المرتفع". كانت الزقورات تُبنى من الطوب المجفف في الشمس والمغطى بالطوب المحروق، مما يضفي عليها متانة وقوة.

أين تقع الزقورة ؟

الزقورات كانت منتشرة في مناطق مختلفة من بلاد الرافدين، والتي تشمل العراق الحالي وأجزاء من سوريا وتركيا وإيران. إليك مواقع بعض أبرز الزقورات:

1. زقورة أور:

   - الموقع: مدينة أور القديمة، بالقرب من مدينة الناصرية في جنوب العراق.

   - الإحداثيات التقريبية: 30°57'42.8"N 46°06'18.5"E

2. زقورة عقرقوف:

   - الموقع: قرب مدينة عقرقوف، حوالي 30 كيلومترًا غرب بغداد، العراق.

   - الإحداثيات التقريبية: 33°20'50.6"N 44°05'59.5"E

3. زقورة بابل:

   - الموقع: مدينة بابل القديمة، بالقرب من مدينة الحلة في وسط العراق.

   - الإحداثيات التقريبية: 32°32'11.1"N 44°25'15.1"E

4. زقورة نيبور:

   - الموقع: مدينة نيبور (نفر) الأثرية، تقع جنوب مدينة الديوانية في العراق.

   - الإحداثيات التقريبية: 32°07'41.7"N 45°14'27.4"E

5. زقورة كيش:

   - الموقع: مدينة كيش الأثرية، بالقرب من مدينة بابل القديمة في وسط العراق.

   - الإحداثيات التقريبية: 32°32'36.2"N 44°27'04.1"E

 مناطق أخرى ذات زقورات أقل شهرة:

- زقورة سيالك:

  - الموقع: تل سيالك قرب مدينة كاشان في إيران.

  - الإحداثيات التقريبية: 33°57'45.0"N 51°24'27.0"E

- زقورة كوركور:

  - الموقع: تل كوركور في شمال غرب إيران، بالقرب من الحدود مع العراق.

الزقورات كانت جزءًا أساسيًا من المدن الرئيسية في بلاد الرافدين وكانت تمثل مراكز دينية وثقافية وسياسية، مما يجعلها معالم بارزة تعكس عظمة وتطور الحضارة في تلك المناطق.

 وظيفة الزقورة

لم تكن الزقورة مجرد بناء معماري بل كانت تلعب دورًا مركزيًا في الحياة الدينية و السياسية. فقد كانت تُستخدم كمعابد للإلهة الرئيسية في المدينة وكانت تُعتبر مسكنًا للإله. يُعتقد أن الزقورات كانت أيضًا مراكز اقتصادية وإدارية، حيث كانت تتم فيها النشاطات المختلفة المتعلقة بحياة المدينة.

من الذي  قام ببناء بنى الزقورة؟

الزقورات كانت تُبنى عادةً بأمر من الملوك والحكام في بلاد الرافدين. هؤلاء الملوك كانوا يرون في بناء الزقورات وسيلة لتعزيز مكانتهم السياسية والدينية، بالإضافة إلى إظهار تفانيهم واحترامهم للآلهة. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة عن الملوك الذين أشرفوا على بناء الزقورات:

1. الملك أور نامو: يُنسب إليه بناء زقورة أور الشهيرة حوالي عام 2100 ق.م. أور نامو كان مؤسس سلالة أور الثالثة، وقد قام ببناء الزقورة كجزء من برنامج واسع لإعادة بناء وتطوير المدينة.

2. الملك شلجي: خلف أور نامو على العرش واستمر في أعمال البناء الكبرى بما في ذلك إكمال زقورة أور وتوسيعها.

3. الملك حمورابي: على الرغم من أن حمورابي يُعرف بشكل أكبر بقانونه الشهير (قوانين حمورابي)، إلا أنه يُعتقد أنه كان له دور في بناء وتوسيع الزقورات في بابل خلال فترة حكمه.

4. الملك نبوخذ نصر الثاني: أعاد بناء زقورة بابل العظيمة التي يُعتقد أنها كانت مصدر إلهام لأسطورة برج بابل التوراتي. نبوخذ نصر الثاني كان أحد أعظم ملوك بابل واهتم بشكل كبير بالعمارة والدين.

هؤلاء الملوك كانوا يرون في بناء الزقورات وسيلة لتكريس قوتهم وإظهار تفانيهم في خدمة الآلهة، وكذلك لتعزيز البنية التحتية الدينية والثقافية في مدنهم.

شكل الزقورة

الزقورة تتميز بتصميم معماري فريد يعكس تقنيات البناء والرموز الدينية في حضارة بلاد الرافدين. الشكل العام للزقورة يمكن وصفه على النحو التالي:

1. الهيكل الهرمي المدرج:

   - تتكون الزقورة من عدة مصاطب متدرجة، بحيث تكون كل مصطبة أصغر من التي تحتها، مما يُعطي الشكل الهرمي المميز.

   - عادة ما تكون الزقورة مستطيلة أو مربعة القاعدة، وتضيق نحو الأعلى.

2. المواد:

   - بُنيت الزقورات بشكل أساسي من الطوب المجفف في الشمس، مع طبقة خارجية من الطوب المحروق لتوفير المتانة والحماية من العوامل الجوية.

   - استخدمت بعض الزقورات الطين المجفف مع تغطيتها باللبن المحروق لجعلها أكثر مقاومة للتآكل.

3. السلالم:

   - تحتوي الزقورات على سلالم أو منحدرات تؤدي إلى قمة البنية، حيث يوجد المعبد الرئيسي.

   - السلالم غالبًا ما تكون مركزية، تمتد من القاعدة إلى القمة، أو تكون على الجوانب، مما يسهل الوصول إلى المصاطب المختلفة.

4. المعابد:

   - في قمة الزقورة كان يوجد معبد مخصص للآلهة، وغالبًا ما يكون مزخرفًا بشكل غني ومزودًا بالتماثيل والرموز الدينية.

   - كان يُعتقد أن هذا المعبد هو المكان الذي يتواصل فيه البشر مع الآلهة.

5. الزخرفة والتزيين:

   - كانت المصاطب تزين بألوان زاهية وأنماط فسيفسائية، مما يعكس الفخامة والقدسية.

   - استخدمت بعض الزقورات الطلاء الأبيض، والأزرق، والأحمر لتزيين الجدران.

 مثال توضيحي: زقورة أور

زقورة أور، التي تعد واحدة من أفضل الأمثلة الباقية، تعطي فكرة واضحة عن الشكل والتصميم:

- القاعدة: مستطيلة الشكل، بطول حوالي 64 مترًا وعرض 45 مترًا.

- الارتفاع: كانت تصل إلى حوالي 30 مترًا، مقسمة إلى ثلاث مصاطب رئيسية.

- السلالم: ثلاث سلالم رئيسية تتلاقى عند مصطبة مركزية تؤدي إلى القمة.

الزقورة لم تكن مجرد بنية معمارية بل كانت تعبيرًا عن الإيمان الديني و السلطة السياسية في بلاد الرافدين، مما جعلها مراكز روحية وثقافية واقتصادية مهمة في ذلك الزمن.

 أبرز الزقورات في بلاد الرافدين

في بلاد الرافدين، كانت الزقورات جزءًا أساسيًا من البنية الدينية والثقافية للمدن السومرية والأكدية والبابلية. إليك بعض أبرز الزقورات في هذه الحضارة:

 1. زقورة أور

- الموقع: مدينة أور السومرية (جنوب العراق الحالي).

- الباني: الملك أور نامو (حوالي 2100 ق.م) وتوسعت على يد ابنه شلجي.

- الوصف: واحدة من أفضل الزقورات المحفوظة، تتميز بثلاث مصاطب رئيسية وسلالم مركزية تؤدي إلى معبد في القمة. تمت إعادة بنائها في فترة لاحقة على يد نبوخذ نصر الثاني.

- الأهمية: تعتبر من أبرز الأمثلة على الزقورات وتُعطي فكرة واضحة عن تصميمها وهيكلها.

 2. زقورة عقرقوف

- الموقع: قرب بغداد الحديثة، مدينة دور كوريغالزو.

- الباني: الملك الكيشي كوريغالزو الأول (حوالي 1400 ق.م).

- الوصف: بُنيت من الطوب المجفف مع تغطية من الطوب المحروق. تحتوي على سلالم خارجية تؤدي إلى قمة الزقورة.

- الأهمية: تُعتبر واحدة من أهم زقورات الفترة الكيشية وتُظهر تطور العمارة الدينية في تلك الفترة.

 3. زقورة بابل

- الموقع: مدينة بابل القديمة (قرب الحلة في العراق الحالي).

- الباني: يُعتقد أن نبوخذ نصر الثاني هو الذي أعاد بناءها وتوسيعها (605-562 ق.م).

- الوصف: الزقورة في بابل ربما تكون النموذج الذي ألهم قصة برج بابل التوراتي. كانت تُعرف باسم "إيتيمينانكي" وتعني "معبد أساس السماء والأرض".

- الأهمية: من أشهر الزقورات بسبب ارتباطها بالأساطير الدينية والتوراة.

 4. زقورة نيبور

- الموقع: مدينة نيبور (نفر) في وسط العراق.

- الباني: تم بناؤها في فترات متعددة، وارتبطت بمعبد الإله إنليل.

- الوصف: تحتوي على عدة مصاطب وسلالم مركزية. لعبت دورًا رئيسيًا في العبادة الدينية في نيبور.

- الأهمية: تُعتبر من المواقع الأثرية المهمة لدراسة الزقورات و تاريخ بلاد الرافدين.

 5. زقورة كيش

- الموقع: مدينة كيش، قرب بغداد.

- الباني: بُنيت خلال فترة السلالة الأكادية (حوالي 2300 ق.م).

- الوصف: تشمل تصميمًا مدرجًا مشابهًا للزقورات الأخرى مع سلالم تؤدي إلى القمة.

- الأهمية: تُظهر تأثير الثقافة الأكادية على تصميم الزقورات وتطورها عبر الزمن.

تُظهر هذه الزقورات التنوع والغنى الثقافي لحضارة بلاد الرافدين، وتعكس تطور الهندسة المعمارية والدينية عبر العصور. كانت الزقورات مراكز دينية وسياسية وثقافية، مما جعلها معالم بارزة في المدن التي بُنيت فيها، وتظل حتى اليوم شاهدًا على عظمة وتقدم حضارة بلاد الرافدين.

 الزقورات في الأدب والأساطير

كانت الزقورات موضوعًا مهمًا في الأدب والأساطير السومرية والبابلية. يُعتقد أن برج بابل المذكور في التوراة قد يكون مستوحى من زقورة بابل، التي كانت تُعتبر واحدة من عجائب العالم القديم.

 التقنية والعمارة

تميز بناء الزقورات باستخدام تقنيات متقدمة في البناء والهندسة. كانت الجدران مائلة قليلاً للداخل للمساعدة في الاستقرار، واستخدمت تقنيات التهوية لتخفيف الحرارة الداخلية. كانت المصاطب المتدرجة تُزخرف بالفسيفساء والألوان الزاهية، مما يُضفي عليها جمالًا ورونقًا خاصًا.

 التأثيرات الثقافية

كان للزقورات تأثير كبير على العمارة الدينية في مناطق أخرى. يمكن رؤية تأثيراتها في الأهرامات المصرية والمباني الدينية في الحضارات اللاحقة.

ماذا يوجد داخل الزقورة ؟

داخل الزقورة كان يتكون من عدة عناصر تتعلق بوظائفها الدينية والثقافية. الزقورات لم تكن تحتوي على فراغات داخلية كبيرة مثل الأهرامات المصرية، بل كانت هياكل صلبة تتألف من الطوب الطيني المجفف مع بعض الغرف والممرات الصغيرة. إليك ما كان يوجد داخل الزقورة:

1. القاعدة والهيكل الداخلي:

   - مواد البناء: كانت الزقورات تُبنى أساسًا من الطوب الطيني المجفف، وكانت تُغطى بطبقة من الطوب المحروق لمقاومة العوامل الجوية.

   - الهيكل الداخلي: غالبًا ما كان الهيكل الداخلي للزقورة صلبًا بدون فراغات كبيرة، يتكون من طبقات من الطوب المكدس، مما يجعلها قوية ومستقرة.

2. المعابد والغرف:

   - المعبد العلوي: في قمة الزقورة كان يوجد معبد مخصص لعبادة الإله الرئيسي للمدينة. هذا المعبد كان يحتوي على مذابح وتماثيل للإله وملحقاته المقدسة.

   - غرف التخزين: قد تحتوي الزقورة على غرف صغيرة لتخزين القرابين والأدوات الدينية.

3. السلالم والممرات:

   - السلالم الخارجية: كانت السلالم تؤدي إلى قمة الزقورة وتكون جزءًا بارزًا من تصميمها. في بعض الزقورات، قد تكون هناك ممرات داخلية صغيرة تربط المصاطب المختلفة.

4. الزخرفة والتزيين:

   - التزيين الخارجي: كان الجزء الخارجي للزقورة مزينًا بألوان زاهية ونقوش فسيفسائية، ولكن الجزء الداخلي كان أقل زخرفة.

   - الرموز الدينية: في بعض الزقورات، قد توجد نقوش ورموز دينية محفورة على الجدران الداخلية للمعبد العلوي.

5. الموقع والبيئة المحيطة:

   - الحدائق والمجاري المائية: في بعض الحالات، كانت الزقورات محاطة بحدائق أو مجاري مائية تعكس مكانتها المقدسة وتزيد من جمالها.

 مثال: زقورة أور

زقورة أور هي مثال جيد لفهم ما يوجد داخل الزقورة. في قمة الزقورة، كان هناك معبد للإله نانا (إله القمر)، وكان هذا المعبد يحتوي على مذبح وتجاويف لتقديم القرابين. كان الزقورة صلبة إلى حد كبير، مما يوفر هيكلًا مستقرًا لارتفاعه الشاهق.

الزقورات كانت هياكل معمارية متينة ومزخرفة، مخصصة لأداء الطقوس الدينية وتكريم الآلهة. كانت تحتوي على معابد صغيرة في القمة وغرف تخزين للقرابين والأدوات الدينية، مع سلالم وممرات تربط المصاطب المختلفة. تصميمها الفريد يعكس التقدم المعماري والثقافي لحضارة بلاد الرافدين.

خاتمة

الزقورات تُمثل علامة بارزة في تاريخ العمارة والدين في حضارة بلاد الرافدين. لم تكن مجرد مبانٍ دينية بل كانت مراكز حياة ثقافية وسياسية واقتصادية. يُعتبر الاهتمام بتفاصيلها المعمارية وجمال تصميمها دليلًا على تقدم وازدهار حضارة بلاد الرافدين، التي تركت إرثًا حضاريًا عظيما أثر في مجرى التاريخ الإنساني.

المراجع

1. "The Sumerians: Their History, Culture, and Character" by Samuel Noah Kramer

   - يقدم هذا الكتاب لمحة شاملة عن الحضارة السومرية، بما في ذلك بنية الزقورات ودورها في المجتمع السومري.

2. "The Art and Architecture of the Ancient Orient" by Henri Frankfort

   - يتناول الكتاب الفن والعمارة في الشرق الأدنى القديم، مع فصول مخصصة للهندسة المعمارية والزقورات في بلاد الرافدين.

3. "Ancient Mesopotamia: Portrait of a Dead Civilization" by A. Leo Oppenheim

   - يوفر نظرة عامة على حضارة بلاد الرافدين بما في ذلك المجتمع والدين والعمارة، مع تركيز على الزقورات وأهميتها.

4. "Mesopotamia: The Invention of the City" by Gwendolyn Leick

   - يركز على تطور المدن في بلاد الرافدين، مع تفصيل حول بناء الزقورات ودورها في الحياة الحضرية والدينية.



تعليقات

محتوى المقال