القائمة الرئيسية

الصفحات

الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952) في مصر

 الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952) في مصر 

الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952) في مصر

 مقدمة حول  الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952)

  • الفترة من 1848 إلى 1952 تعد واحدة من أكثر الفترات تأثيرًا وتحولًا في تاريخ مصر الحديث. بدأت هذه الحقبة بعد وفاة محمد علي باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، واستمرت حتى ثورة يوليو 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي وأعلنت قيام الجمهورية. شهدت هذه الفترة حكم الأسرة العلوية وتطورات عديدة، أبرزها تدخل القوى الأوروبية واحتلال بريطانيا لمصر.

  • في عام 1848، تولى إبراهيم باشا، ابن محمد علي، الحكم لفترة قصيرة، تبعه عباس حلمي الأول، ثم سعيد باشا، وأخيرًا الخديوي إسماعيل الذي حكم من 1863 إلى 1879. تميز حكم الخديوي إسماعيل بطموحه الكبير في تحديث مصر على نمط الدول الأوروبية، حيث أدخل إصلاحات عديدة في مجالات الإدارة والتعليم والبنية التحتية. أبرز هذه الإصلاحات كان حفر قناة السويس التي ربطت البحرين الأحمر والمتوسط، ما جعل مصر محورًا تجاريًا واستراتيجيًا عالميًا. لكن سياسات إسماعيل الطموحة قادت البلاد إلى ديون هائلة، ما أدى إلى تدخل القوى الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، في شؤون مصر المالية.

1 - الخلفية التاريخية  الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952)

حكم الأسرة العلوية:

  • بدأت الفترة التاريخية الممتدة من 1848 إلى 1952 في مصر مع تولي الأسرة العلوية الحكم، وهي الأسرة التي أسسها محمد علي باشا (1769-1849)، الذي يعد مؤسس مصر الحديثة. بعد وفاة محمد علي، خلفه ابنه إبراهيم باشا لفترة وجيزة حتى وفاته في نفس العام (1848). تبعه في الحكم عباس حلمي الأول (1848-1854)، ثم سعيد باشا (1854-1863)، وأخيرًا الخديوي إسماعيل (1863-1879).

حكم الخديوي إسماعيل (1863-1879):

  • كان الخديوي إسماعيل واحدًا من أكثر حكام الأسرة العلوية تأثيرًا. تميزت فترة حكمه بطموحه الكبير في تحويل مصر إلى دولة حديثة على النمط الأوروبي. أطلق إسماعيل سلسلة من الإصلاحات الواسعة في المجالات الإدارية والتعليمية والزراعية والصناعية. كان مشروع قناة السويس، الذي افتتح عام 1869، أحد أبرز إنجازاته، حيث ربط بين البحرين الأحمر والمتوسط وعزز مكانة مصر كمركز تجاري عالمي.

التأثير الأوروبي وتفاقم الديون:

  • لكن طموحات إسماعيل الكبيرة جاءت بتكلفة عالية، حيث اقترض مبالغ طائلة من الدول الأوروبية لتمويل مشروعاته الطموحة، مما أدى إلى تراكم الديون بشكل كبير. في نهاية الأمر، تدخلت القوى الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، للسيطرة على الشؤون المالية لمصر لحماية مصالحها. أدى هذا التدخل إلى تشكيل لجنة دولية للرقابة المالية على مصر.

الثورة العرابية (1881-1882):

  • مع تزايد النفوذ الأوروبي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تزايدت المعارضة الداخلية لحكم الخديوي توفيق (1879-1892) وسياسة الخضوع للأجانب. قاد أحمد عرابي، الضابط في الجيش المصري، ثورة شعبية عرفت بالثورة العرابية (1881-1882) مطالبًا بالإصلاحات والتخلص من النفوذ الأجنبي. ولكن الثورة قمعت بعد تدخل عسكري بريطاني مباشر، حيث دخلت القوات البريطانية مصر واحتلتها عام 1882 بحجة حماية مصالحها وحفظ الاستقرار.

الاحتلال البريطاني (1882-1952):

  • بداية من عام 1882، أصبحت مصر فعليًا تحت السيطرة البريطانية رغم بقاء الخديوي توفيق في الحكم كحاكم صوري. استمرت السيطرة البريطانية على مصر لعقود طويلة، حيث فرضت بريطانيا سيطرتها على الاقتصاد والسياسة المصرية، مستغلة موارد البلاد الاستراتيجية، خاصة قناة السويس.

الحركات الوطنية:

  • خلال فترة الاحتلال البريطاني، بدأت الحركات الوطنية في مصر تتصاعد. تأثر العديد من المثقفين والشباب المصريين بالأفكار القومية والاستقلالية. قاد مصطفى كامل في أوائل القرن العشرين حملة دولية ضد الاحتلال البريطاني. تلاه سعد زغلول، الذي قاد ثورة 1919، وهي واحدة من أبرز الحركات الوطنية في تاريخ مصر الحديث. قادت الثورة إلى إصدار تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترفت فيه بريطانيا باستقلال مصر، إلا أنها احتفظت بحقوق محددة، منها حماية قناة السويس.

فترة ما بين الحربين العالميتين:

  • خلال هذه الفترة، شهدت مصر بعض الاستقرار النسبي. تم إصدار دستور 1923، الذي أعطى المصريين بعض الحقوق السياسية، وتولى الملك فؤاد (1917-1936) ثم ابنه الملك فاروق (1936-1952) الحكم. ولكن استمر النفوذ البريطاني في التحكم بالشؤون الحيوية لمصر، مما أدى إلى استمرار الغضب الشعبي والنضال من أجل الاستقلال الكامل.

ثورة يوليو 1952:

بلغ النضال من أجل الاستقلال ذروته مع حركة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، التي نجحت في الإطاحة بالملك فاروق في 23 يوليو 1952. أعلنت الثورة قيام الجمهورية المصرية ونهاية الملكية، وبدأت مصر في مسار جديد نحو الاستقلال الكامل والتنمية الذاتية، منهية بذلك حقبة طويلة من الحكم الملكي والنفوذ الأجنبي.

  • الفترة من 1848 إلى 1952 كانت مليئة بالأحداث الجسيمة والتحولات العميقة التي شكلت ملامح مصر الحديثة. من طموحات الخديوي إسماعيل إلى الاحتلال البريطاني والحركات الوطنية التي تلتها، وصولاً إلى ثورة يوليو 1952، كانت هذه الحقبة حاسمة في تشكيل التاريخ المصري وأثرت بشكل مباشر على تطور البلاد ومكانتها في العالم العربي والدولي.

2 -  الظروف السياسية والاقتصادية العامة في مصر في بداية  الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952)

الخلفية السياسية:

  • مع بداية فترة الخديوية في عام 1848، كانت مصر تحت حكم الأسرة العلوية التي أسسها محمد علي باشا. ورغم أن محمد علي أسس دولة حديثة نسبياً وقوية، إلا أن تحديات كبيرة واجهت خلفاءه بسبب الأوضاع الإقليمية والدولية. تولى إبراهيم باشا السلطة لفترة قصيرة بعد وفاة محمد علي، تلاه عباس حلمي الأول (1848-1854)، وسعيد باشا (1854-1863)، والخديوي إسماعيل (1863-1879). كل واحد منهم واجه تحديات سياسية مختلفة سواء داخلية أو خارجية.

الاضطرابات الداخلية:

  • في بداية حكم عباس حلمي الأول، كانت السلطة المركزية قوية نسبياً، لكن البلاد كانت تعاني من مشاكل إدارية وضعف في النظام البيروقراطي. عباس حلمي الأول اعتمد سياسة الحذر والانطواء، محاولاً تقليل نفقات الدولة والابتعاد عن التدخلات الأجنبية، لكنه لم يتمكن من تحقيق إصلاحات كبيرة بسبب مقاومة النخب المحلية والمصالح المتعارضة.

سياسات سعيد باشا:

  • مع تولي سعيد باشا الحكم، بدأت مصر في الدخول في مشروعات اقتصادية طموحة مثل مشروع قناة السويس. سعيد باشا حاول تحديث الإدارة والتعليم، لكنه واجه صعوبات مالية بسبب التكاليف الباهظة للمشروعات والإدارة السيئة للموارد.

الخديوي إسماعيل والسياسة الطموحة:

  • عندما تولى إسماعيل باشا الحكم في عام 1863، كانت لديه رؤية طموحة لتحويل مصر إلى دولة حديثة على الطراز الأوروبي. قام بإطلاق سلسلة من الإصلاحات في مجالات التعليم، الإدارة، الجيش، والزراعة. شهدت فترة حكمه بناء البنية التحتية مثل الجسور، الطرق، وتطوير المدن. ومع ذلك، كانت هذه المشاريع مكلفة جداً، مما أدى إلى تراكم ديون ضخمة على الدولة. استدانت مصر مبالغ كبيرة من الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، مما أدى إلى زيادة التدخل الأجنبي في الشؤون المصرية.

التدخل الأجنبي والديون:

  • بحلول أواخر القرن التاسع عشر، بدأت القوى الأوروبية بفرض سيطرتها على الاقتصاد المصري بسبب الديون المتراكمة. في عام 1876، أُنشئت لجنة دولية للإشراف على المالية المصرية، ما أدى إلى تزايد الغضب الشعبي ضد النفوذ الأجنبي. هذا التدخل بلغ ذروته مع الثورة العرابية (1881-1882) التي قادها أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق والنفوذ الأجنبي.

الثورة العرابية والاحتلال البريطاني:

  • الثورة العرابية كانت محاولة لاستعادة السيطرة الوطنية والإصلاح الداخلي، لكنها انتهت بالفشل بسبب التدخل العسكري البريطاني. في عام 1882، احتلت القوات البريطانية مصر بحجة حماية مصالحها واستقرار البلاد. هذا الاحتلال أدى إلى بقاء الحكم الصوري للخديوي توفيق بينما كانت السلطة الفعلية بيد البريطانيين. استمر الاحتلال البريطاني حتى ثورة 1952، حيث سيطر البريطانيون على الشؤون الحيوية للدولة.

الأوضاع الاقتصادية:

  • الأوضاع الاقتصادية خلال هذه الفترة كانت متقلبة بشكل كبير. مشاريع البنية التحتية الضخمة التي أطلقها إسماعيل باشا، مثل حفر قناة السويس، كانت تكلفتها عالية وأدت إلى تراكم الديون. رغم أن هذه المشاريع ساهمت في تحديث البلاد وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، إلا أن الفوائد الاقتصادية لم تكن موزعة بشكل عادل. الاستدانة المستمرة من البنوك الأوروبية أوقعت مصر في فخ الديون، ما أعطاها سيطرة كبيرة على الاقتصاد المصري.

التحولات الاقتصادية:

  • خلال فترة الاحتلال البريطاني، حاولت بريطانيا تنظيم الاقتصاد المصري بشكل يضمن مصالحها. ركزت السياسة الاقتصادية البريطانية على زيادة إنتاج القطن، وهو محصول كان حيوياً للصناعة البريطانية. تطور نظام الري بشكل كبير لتحسين الإنتاج الزراعي، ولكن الاقتصاد المصري ظل يعتمد بشكل كبير على تصدير القطن، مما جعله عرضة للتقلبات في السوق الدولية.

الحركات الوطنية والنضال من أجل الاستقلال:

  • مع مرور الوقت، بدأت الحركات الوطنية تتصاعد في مصر كرد فعل على الاحتلال البريطاني والتدهور الاقتصادي. تأسست أحزاب سياسية وجماعات وطنية مثل الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل، وحركة الوفد بقيادة سعد زغلول. هذه الحركات قادت نضالاً طويلاً من أجل الاستقلال، culminated in ثورة 1919، التي أدت إلى إعلان استقلال مصر الشكلي في 1922 وإنشاء المملكة المصرية تحت حكم الملك فؤاد.

  • الظروف السياسية والاقتصادية العامة في مصر خلال الفترة من 1848 إلى 1952 كانت مضطربة ومعقدة. تميزت هذه الفترة بمحاولات تحديث واسعة النطاق، لكنها جاءت بتكلفة اقتصادية عالية أدت إلى تدخل أجنبي مكثف واحتلال بريطاني طويل الأمد. رغم التحديات والصعوبات، شهدت هذه الفترة أيضاً بروز الحركات الوطنية والنضال من أجل الاستقلال، مما مهد الطريق لمرحلة جديدة في تاريخ مصر الحديث.

خاتمة حول الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952)

  • في ختام النظرة إلى فترة الخديوية والاحتلال البريطاني في مصر من عام 1848 إلى عام 1952، يظهر أن هذه الفترة شهدت تحولات هامة وأحداثاً مؤثرة على مسار تاريخ مصر وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

  • في هذه الفترة، شهدت مصر تعاقبًا للحكام من الخديويين، الذين سعوا إلى تحقيق التحديث والتطور في مصر ولكن بنهج تنوعت نتائجه بين النجاح والفشل. كما تميزت هذه الفترة بتدخل القوى الأجنبية، خاصة الاحتلال البريطاني، الذي كان له تأثير كبير على سير الأحداث في مصر وتشكيل مسارها المستقبلي.

  • على الرغم من الجهود الإصلاحية التي قام بها بعض الخديويين، فإن الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة والتدخل الأجنبي المستمر أدى إلى زيادة التوترات في المجتمع المصري وتنامي الحركات الوطنية التي تطالب بالاستقلال والتحرير من الاستعمار البريطاني.

  • في نهاية هذه الفترة، جاءت ثورة يوليو عام 1952 لتضع حدًا للحكم الملكي ولتبدأ فترة جديدة في تاريخ مصر، حيث تم إعلان الجمهورية وتولى جمال عبد الناصر الحكم، وهو الأمر الذي أحدث تغييرات هائلة في السياسة والاقتصاد والمجتمع في مصر.

  • بهذا الشكل، تكونت فترة الخديوية والاحتلال البريطاني فترة مهمة في تاريخ مصر، حيث شكلت محطة هامة في مسار تطور البلاد نحو الاستقلال والتحرر وتحقيق التقدم والتنمية.

إقرأ أيضا مقال تكميلي

    • الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفترة (1848-1952) في مصر.رابط
    • الحملة الفرنسية على مصر وملابساتها-الشرق الأوسط . رابطرابط
    • أسباب ودوافع ثورة يوليو ونهاية الخديوية في مصر . رابط
    • أسباب الاحتلال البريطاني على تاريخ مصر . رابطرابط
    • الخديوي إسماعيل الحكم سياساته و إصلاحاته وتأثيرات الإصلاحات .رابط
    • الحركات الوطنية والاستقلالية في مصر في الفترة الخديوية .رابط
    • السياسة البريطانية في مصر و إدارة المستعمرات وتأثيرها .رابط
    • القادة الوطنيون ودورهم في النضال من أجل الاستقلال . رابط
    • الحملة الفرنسية على مصر وملابساتها-الشرق الأوسط .رابط
    • نبذة حول محمد علي باشا وبناء الدولة الحديثة في مصر . رابط
    • الشرق الأوسط . رابط

    مراجع حول الخديوية والاحتلال البريطاني (1848-1952)

    1. كمال الدين حسن، "الخديوية في مصر: دراسة في الحكم الشرعي والدولة المدنية في القرن التاسع عشر"، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2005.

    2. زغلول النجار، "تاريخ مصر الحديث والمعاصر"، دار الشروق، 1998.

    3. روبرت تريز، "مصر في عصر محمد علي وخلفاؤه"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.

    4. روبرت لاكين، "تاريخ مصر الحديث"، دار الكتب العلمية، 1992.

    5. محمد عبد الرازق، "الحركة الوطنية في مصر في القرن التاسع عشر"، مؤسسة الرسالة، 1972.

    6. عبد العزيز الدريني، "مصر في عصر الخديوي إسماعيل: تطور السياسة والمجتمع"، دار الحضارة للطباعة والنشر، 1980.

    7. أنور عباس، "الاحتلال البريطاني لمصر: تاريخ وحضارة"، دار المعارف، 2003.

    8. جون دونفورث، "مصر تحت الاحتلال البريطاني: 1882-1952"، كتب عبير، 2001.

    9. مصطفى السيد، "مصر في عصر الاحتلال البريطاني"، دار الشروق، 1999.

    10. أحمد حمروش، "تاريخ مصر في العصر الحديث: 1798-1952"، مكتبة الأسرة، 2008.


    تعليقات

    محتوى المقال