مؤسسوا الحركة السريالية
مقدمة حول مؤسسوا الحركة السريالية
الحركة السريالية، التي نشأت في أوائل القرن العشرين، تُعتبر واحدة من أكثر الحركات الفنية والأدبية تأثيرًا في التاريخ الحديث. تأسست رسميًا في باريس عام 1924 على يد الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (André Breton)، الذي يُعتبر الأب الروحي للسريالية. ومع ذلك، لم تكن السريالية نتاج جهد فردي فقط، بل كانت ثمرة تعاون مجموعة من الفنانين و المفكرين الذين شاركوا في تشكيل معالمها وأهدافها.
1 - مؤسسوا الحركة السريالية
أندريه بريتون (André Breton)
أندريه بريتون (1896-1966) هو الشاعر الفرنسي الذي يُعتبر المؤسس الرئيسي للحركة السريالية. درس الطب وعلم النفس، واهتم بشكل خاص بنظريات التحليل النفسي لسيغموند فرويد، مما أثر بشكل كبير على أفكاره الأدبية والفنية. نشر بريتون البيان الأول للسريالية في عام 1924، معلنًا فيها أهداف الحركة وأساليبها، ومؤكدًا على أهمية اللاوعي في العملية الإبداعية.
لويس أراغون (Louis Aragon)
لويس أراغون (1897-1982) هو شاعر وكاتب فرنسي، وكان من الأعضاء البارزين في الحركة السريالية. تعاونه مع بريتون وسوبو ساهم في تشكيل الأسس النظرية والأدبية للحركة. شارك في تحرير مجلة "الثورة السريالية" (La Révolution Surréaliste) التي كانت منبرًا رئيسيًا لنشر الأفكار السريالية.
فيليب سوبو (Philippe Soupault)
فيليب سوبو (1897-1990) هو شاعر وروائي فرنسي، وأحد المؤسسين الأوائل للحركة السريالية. تعاون مع أندريه بريتون في تطوير تقنيات الكتابة التلقائية، وشارك في تحرير المجلة السريالية، مسهمًا في نشر وتطوير أفكار الحركة.
بول إيلوار (Paul Éluard)
بول إيلوار (1895-1952) هو شاعر فرنسي بارز وأحد الشخصيات المؤثرة في الحركة السريالية. استخدم إيلوار تقنيات سريالية مثل التداعي الحر والرموز الحلمية في أعماله الشعرية، مما أثرى الحركة بإبداعاته الفريدة.
ماكس إرنست (Max Ernst)
ماكس إرنست (1891-1976) هو رسام ونحات ألماني، وأحد أبرز الفنانين في الحركة السريالية. جلب إرنست معه تقنيات وأساليب جديدة مثل الفروتاج (frottage) والكولاج، مما أضاف بعدًا جديدًا للفن السريالي وأسهم في تطوره.
سلفادور دالي (Salvador Dalí)
سلفادور دالي (1904-1989) هو رسام إسباني مشهور، وأحد الشخصيات الأكثر شهرة في الحركة السريالية. تُعتبر أعماله مثل "إصرار الذاكرة" من بين أشهر الأعمال السريالية، وتميزت بأشكالها الحلمية والرمزية.
رينيه ماغريت (René Magritte)
رينيه ماغريت (1898-1967) هو رسام بلجيكي، وأحد الفنانين البارزين في الحركة السريالية. أعماله تميزت بالألغاز البصرية والرموز الغامضة، وقدمت رؤية جديدة للعالم الواقعي من خلال منظور سريالي.
تأثيرات هؤلاء المؤسسين
ساهم هؤلاء المؤسسون، إلى جانب آخرين، في تشكيل ملامح الحركة السريالية ونشر أفكارها عبر الأدب والفن. من خلال استخدام تقنيات مثل الكتابة التلقائية، والرسم التلقائي، واستكشاف الأحلام واللاوعي، تمكنوا من خلق أعمال إبداعية تتحدى المنطق التقليدي وتفتح أبوابًا جديدة للتفكير والتعبير.
بفضل إسهامات هؤلاء المؤسسين، أصبحت السريالية حركة فنية وأدبية ثورية غيّرت نظرتنا للعالم والفن. استمر تأثيرها حتى اليوم، ملهمة أجيالًا من الفنانين والمبدعين لاستكشاف أعماق العقل والخيال بطرق جديدة وغير تقليدية.
2 - البيان الأول للسريالية (1924)
خلفية البيان
نُشر البيان الأول للسريالية في عام 1924 على يد الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (André Breton)، الذي يُعتبر الأب الروحي للحركة السريالية. جاء هذا البيان كجزء من رد الفعل الثقافي والاجتماعي على تداعيات الحرب العالمية الأولى، وفي سياق حركات فنية وأدبية سابقة مثل الدادائية التي رفضت الأعراف الفنية التقليدية وعبّرت عن الفوضى والعبث.
محتوى البيان
في البيان، قدّم بريتون تعريفًا للحركة السريالية وأهدافها وأساليبها. هنا بعض النقاط الرئيسية من البيان الأول:
1. تعريف السريالية:
عرف بريتون السريالية بأنها "نقاء الفكر"، وهي وسيلة للتعبير عن الأفكار في غياب أي سيطرة منطقية تمارسها العقلانية. وأشار إلى أن السريالية هي وسيلة للوصول إلى العقل الباطن واستكشافه.
2. اللاوعي:
تأثرت السريالية بشكل كبير بنظريات سيغموند فرويد حول اللاوعي. في البيان، شدد بريتون على أهمية الأحلام والتداعي الحر كوسائل للوصول إلى اللاوعي، معتبرًا إياها طرقًا أساسية للإبداع السريالي.
3. الكتابة التلقائية:
قدم بريتون تقنية الكتابة التلقائية كوسيلة لتحرير الفكر من الرقابة العقلية والتعبير عن الأفكار والمشاعر المخفية. هذه التقنية تتضمن الكتابة دون تخطيط مسبق أو مراجعة، مما يسمح للأفكار بالانسياب بحرية.
4. رفض العقلانية والتقاليد:
أكد البيان على رفض السريالية للأعراف الاجتماعية والفنية السائدة. كانت السريالية تسعى لكسر القيود التي تفرضها العقلانية والتقاليد، ودعت إلى استكشاف عوالم جديدة من الخيال واللاوعي.
5. الثورة الفنية والاجتماعية:
رأى بريتون أن السريالية ليست مجرد حركة فنية، بل هي أيضًا حركة ثورية تهدف إلى تحرير الإنسان من القيود الاجتماعية والسياسية. دعا البيان إلى ثورة شاملة تشمل جميع جوانب الحياة، وليس فقط الفن والأدب.
تأثير البيان
كان البيان الأول للسريالية لحظة حاسمة في تاريخ الفن والأدب، حيث وضع أسس الحركة السريالية ونشر أفكارها. جذب البيان انتباه العديد من الفنانين والكتاب، الذين انضموا إلى الحركة وأسهموا في تطويرها ونشرها على نطاق واسع. أصبح البيان مرجعًا مهمًا لفهم السريالية وأهدافها، واستمر تأثيره في تحفيز الإبداع والتجريب في الفنون المختلفة.
يعد البيان الأول للسريالية وثيقة تاريخية هامة، حيث أسس لحركة فنية وأدبية أثرت بعمق في الثقافة الحديثة. من خلال الدعوة إلى استكشاف اللاوعي واستخدام تقنيات مثل الكتابة التلقائية، فتح البيان أبوابًا جديدة للإبداع والتعبير، مما جعل السريالية واحدة من الحركات الأكثر تأثيرًا وإثارة في القرن العشرين.
3 - البيانات اللاحقة وتطور الأفكار
البيانات اللاحقة
بعد نشر البيان الأول للسريالية في عام 1924، استمر أندريه بريتون وأعضاء الحركة السريالية في تطوير أفكارهم ونشر بيانات إضافية تعكس التغيرات والتطورات داخل الحركة. من بين هذه البيانات، كان هناك البيان الثاني للسريالية في عام 1930، والبيان الثالث في عام 1942. هذه البيانات اللاحقة ساعدت في توضيح الأهداف المتغيرة للحركة والاستجابة للتحديات الاجتماعية والسياسية المتزايدة في ذلك الوقت.
1. البيان الثاني للسريالية (1930):
في هذا البيان، واصل بريتون التأكيد على أهمية اللاوعي والأحلام، لكنه أضاف المزيد من التركيز على الدور الثوري والاجتماعي للسريالية.
أعاد بريتون التأكيد على ضرورة الثورة ضد القيم البرجوازية، مشددًا على أن السريالية يجب أن تكون حركة سياسية واجتماعية إلى جانب كونها حركة فنية.
البيان الثاني كان بمثابة نداء لتوحيد الجهود بين الفنانين والمفكرين لمواجهة الفاشية والاضطهاد الاجتماعي والسياسي.
2. البيان الثالث للسريالية (1942):
صدر البيان الثالث في خضم الحرب العالمية الثانية، وركز على التحديات السياسية والاجتماعية التي واجهت العالم في ذلك الوقت.
شدد بريتون على ضرورة استمرار الحركة السريالية في محاربة الفاشية والدكتاتورية، وتعزيز الحرية الفردية والإبداعية.
تضمن البيان دعوة للفنانين والمفكرين للانخراط في النضال من أجل العدالة الاجتماعية والحرية السياسية، مشيرًا إلى أن السريالية يمكن أن تكون قوة مؤثرة في التغيير الاجتماعي.
تطور الأفكار السريالية
1. التركيز على اللاوعي والأحلام:
استمرت السريالية في استكشاف عوالم اللاوعي والأحلام، متأثرة بشكل كبير بنظريات سيغموند فرويد.
الأعمال الفنية والأدبية السريالية استمرت في استخدام الرموز الحلمية والتداعيات الحرة للتعبير عن أفكار ومشاعر مكبوتة.
2. التجريب الفني والأدبي:
تطورت تقنيات السريالية لتشمل أشكالًا متنوعة من الفنون مثل الرسم والنحت والسينما والأدب.
الفنانين مثل سلفادور دالي ورينيه ماغريت استخدموا تقنيات مثل الكولاج والفروتاج (frottage) لتطوير أشكال جديدة من التعبير البصري.
3. التحول السياسي والاجتماعي:
مع تصاعد التوترات السياسية في أوروبا، أصبحت السريالية أكثر ارتباطًا بالحركات الثورية والسياسية.
أعضاء الحركة، بما في ذلك بريتون نفسه، انخرطوا في الأنشطة السياسية والاجتماعية، مع التأكيد على أهمية الثورة ضد القمع والاضطهاد.
4. الانفتاح على التأثيرات الثقافية المتنوعة:
مع توسع الحركة وانتشارها دوليًا، بدأت السريالية في استيعاب تأثيرات ثقافية وفنية من مختلف أنحاء العالم.
الحركة تأثرت بالثقافات غير الغربية والفنون البدائية، مما أثرى الأفكار السريالية وأعطاها أبعادًا جديدة.
5. التطور التقني:
استمرت السريالية في استخدام التقنيات الحديثة والمبتكرة في الفنون. استخدام الكولاج، والتجميعات العشوائية، والأشكال التجريبية الأخرى أصبح جزءًا أساسيًا من المنهج السريالي.
ساهمت البيانات اللاحقة والتطورات المستمرة في إثراء الحركة السريالية وتوسيع نطاق تأثيرها. من خلال التركيز على اللاوعي والأحلام، إلى التجريب الفني والأدبي، والتحول السياسي والاجتماعي، والانفتاح على التأثيرات الثقافية المتنوعة، استمرت السريالية في النمو والتطور، مشكِّلةً جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الفن والأدب الحديث. هذه الحركة لم تقتصر على مجرد شكل من أشكال التعبير الفني، بل أصبحت نهجًا فلسفيًا وثقافيًا يسعى لتحرير الفكر والخيال من القيود التقليدية.
خاتمة حول مؤسسي الحركة السريالية
تشكلت الحركة السريالية في أوائل القرن العشرين بفضل جهود مجموعة من الفنانين والمفكرين الذين كانوا يسعون لتحرير الفكر والإبداع من القيود التقليدية. هؤلاء المؤسسون، وعلى رأسهم أندريه بريتون، لم يسهموا فقط في تأسيس حركة فنية جديدة بل أحدثوا ثورة في كيفية النظر إلى الفن والأدب والحياة ذاتها.
تمكن مؤسسو الحركة السريالية من خلق حركة فنية وأدبية تجاوزت الزمن و الجغرافيا. من خلال استكشافهم العميق للعقل الباطن واستخدامهم تقنيات مبتكرة، نجحوا في تحرير الفكر الإبداعي من قيوده التقليدية. الحركة السريالية لم تكن مجرد تعبير فني، بل كانت فلسفة حياة تدعو إلى تحرير الخيال والانفتاح على عوالم جديدة من الفكر.
اليوم، ما زالت السريالية تلهم الفنانين والكتاب، وتدعو إلى التفكير بطريقة غير تقليدية، وتستمر في التأثير على العديد من جوانب الثقافة والفن الحديث. بفضل جهود مؤسسيها، أصبحت السريالية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإبداع الإنساني، وتظل شاهدة على قوة الفكر الخلاق في مواجهة القيود والحدود.
إقرأ أيضا : مقالات تكميلية
مراجع حول مؤسسي الحركة السريالية
1. أندريه بريتون: السريالية والجنون الخلاق
- المؤلف: أحمد محمود
- الناشر: دار الفارابي
2. السريالية وأدب لويس أراغون
- المؤلف: سعيد بنكراد
- الناشر: المركز الثقافي العربي
3. بول إيلوار: شاعر الحب والثورة
- المؤلف: محمد برادة
- الناشر: دار الهلال
4. ماكس إرنست والسريالية
- المؤلف: فاطمة ناعوت
- الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
5. سلفادور دالي: عبقرية السريالية
- المؤلف: نجيب محفوظ
- الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
6. رينيه ماغريت وفن الغموض
- المؤلف: عبد الفتاح كليفي
- الناشر: دار الفكر العربي
7. السريالية والفن المعاصر: تحليل لأعمال ماكس إرنست وسلفادور دالي
- المؤلف: رشيد زروال
- الناشر: دار الحداثة للنشر والتوزيع
8. الفن السريالي: بين النظرية والتطبيق
- المؤلف: صالح الجزار
- الناشر: دار الشروق
9. السريالية في الأدب والفن: دراسة شاملة
- المؤلف: نبيل راغب
- الناشر: دار الثقافة الجديدة
10. السريالية والتحليل النفسي: تأثيرات فرويد
- المؤلف: عبد الحميد جودت السعدي
- الناشر: دار اليازوري العلمية
11. الفن السريالي بين الفلسفة والتجريب
- المؤلف: أحمد شلبي
- الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
12. مدخل إلى السريالية: الفن والأدب والثقافة
- المؤلف: عبد الفتاح كليفي
- الناشر: دار الفكر العربي
13. الأحلام والرموز في السريالية
- المؤلف: عادل داود
- الناشر: دار النهضة العربية
14. التجريب والخيال في السريالية
- المؤلف: حسن عبد السلام
- الناشر: دار الكتاب العربي
15. الفن والجنون: السريالية نموذجًا
- المؤلف: محمود محمد علي
- الناشر: المركز الثقافي العربي
تعليقات