لحظة فاصلة في العلاقات الإثيوبية المصرية-افريقيا
في قلب القارة الأفريقية، على طول نهر النيل الأزرق العظيم، كانت هناك قضية مثيرة للجدل تختمر منذ سنوات، ولا تهدد فقط سعي إثيوبيا لتحقيق أمن الطاقة، بل تهدد أيضًا اعتماد مصر المستمر منذ قرون على نهر النيل. كان سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD)، وهو مشروع ضخم للطاقة الكهرومائية، مصدرًا للتوتر بين البلدين. وبينما تستعد إثيوبيا للملء الرابع للسد، من الضروري الخوض في شبكة معقدة من القضايا المحيطة بهذا المشروع وتأثيره العميق على العلاقات الإثيوبية المصرية، والأمن المائي المصري، وسبل عيش الملايين الذين يعتمدون على نهر النيل لتلبية احتياجاتهم. الزراعة والثروة الحيوانية.- أمن الطاقة الإثيوبي
يعد سد النهضة، المعروف أيضًا باسم سد الألفية، مسعى إثيوبيا الطموح لتسخير قوة النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل. ويهدف المشروع، الذي بدأ في عام 2011، إلى توليد الكهرباء لعدد سكان إثيوبيا المزدهر ودفع نموها الاقتصادي. باعتباره أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يتمتع سد النهضة بإمكانات كبيرة لتخفيف النقص المزمن في الطاقة في إثيوبيا، والحد من الفقر، وتحسين مستويات المعيشة. وتعتبرها إثيوبيا رمزا للفخر الوطني ووسيلة للخروج من ظلال الفقر.
ومع ذلك، فإن بناء سد النهضة وعمليات التعبئة اللاحقة أثارت القلق والاستياء في مصر. ويعد نهر النيل شريان الحياة لمصر، حيث يوفر أكثر من 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. وأي انقطاع في هذا التدفق يمكن أن يكون له عواقب كارثية على الزراعة و الصناعة وإمدادات المياه المحلية في البلاد. وبالتالي، لا يمكن المبالغة في تقدير تأثير سد النهضة على الأمن المائي المصري.
- هموم مصر والأمن المائي
ترجع مخاوف مصر بشأن سد النهضة إلى اعتمادها التاريخي على نهر النيل. لآلاف السنين، غذّى نهر النيل الحضارة المصرية، مما جعلها واحدة من أقدم الحضارات في العالم. ويعتمد سكان مصر، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، بشكل كبير على نهر النيل لمياه الشرب والزراعة والأغراض الصناعية. وأي انخفاض كبير في تدفق نهر النيل يمكن أن يؤدي إلى أزمة إنسانية ذات أبعاد غير مسبوقة.
أحد مخاوف مصر الأساسية هو احتمال انخفاض حصتها السنوية من مياه النيل. وتنص اتفاقية مياه النيل لعام 1959، التي تم التوصل إليها مع السودان، على تخصيص حصة سنوية لمصر تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، والمعروفة باسم "الحق التاريخي"، مما يمنح مصر ميزة كبيرة في استغلالها للمياه. قد يؤدي بناء إثيوبيا وملء سد النهضة إلى تغيير هذه الديناميكية، مما يعرض وصول مصر إلى حصتها المخصصة للخطر.
- الملئ الرابع لسد النهضة
يعد الملء الرابع لسد النهضة لحظة محورية في الملحمة المستمرة بين إثيوبيا ومصر. وعلى الرغم من أن عمليات الحشو السابقة كانت مثيرة للجدل، إلا أنها حدثت دون ضرر كبير لدول المصب بسبب أنماط هطول الأمطار المواتية. ومع ذلك، فإن التعبئة الرابعة، التي بدأت في يوليو 2023، أثارت قلقًا. وأدى قرار إثيوبيا بالمضي قدمًا من جانب واحد، دون اتفاق مع مصر والسودان، إلى زيادة توتر العلاقات بين البلدين.
وتصر إثيوبيا على أن الملء الرابع ضروري لتحقيق أهدافها في مجال الطاقة وأنه من حقوقها كدولة ذات سيادة أن تفعل ذلك. ومع ذلك، ترى مصر في ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي. يمكن أن يكون لانخفاض تدفق المياه خلال فترة الملء عواقب فورية، بما في ذلك انخفاض الإنتاجية الزراعية والنقص المحتمل في إمدادات المياه المنزلية لملايين المصريين.
- التأثير على الزراعة والثروة الحيوانية المصرية
ويعتمد قطاع الزراعة في مصر بشكل كبير على مياه نهر النيل لأغراض الري، وأي انقطاع في التدفق يمكن أن يكون له عواقب مدمرة على إنتاج الغذاء. تعتبر دلتا النيل، بتربتها الخصبة، سلة غذاء مصر، حيث تنتج جزءًا كبيرًا من محاصيل البلاد. ويعتمد الأرز والقمح والقطن، من بين محاصيل أخرى، على الفيضانات السنوية المتوقعة لمياه النيل. ومن الممكن أن يؤدي ملء سد النهضة إلى تعطيل هذه الدورة، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي.
تعتبر تربية الماشية قطاعًا آخر معرضًا لتأثير سد النهضة . تلعب الثروة الحيوانية، بما في ذلك الأبقار والأغنام والماعز، دورًا حيويًا في الزراعة والأمن الغذائي المصري. وتعتمد هذه الحيوانات على المراعي المروية، وأي انخفاض في موارد المياه المتاحة يمكن أن يحد من نموها وإنتاجيتها. بالإضافة إلى ذلك، يعد توفر المياه لأغراض الشرب أمرًا ضروريًا لصحة ورفاهية الماشية، مما يجعل التدفق المستمر لنهر النيل أمرًا بالغ الأهمية.
- الجهود المصرية الدبلوماسية
وإدراكًا لخطورة الوضع، انخرطت مصر في جهود دبلوماسية لحل نزاع سد النهضة سلميًا. وتستمر المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان منذ سنوات، بوساطة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة. وعلى الرغم من جولات المحادثات العديدة، ظل التوصل إلى اتفاق بعيد المنال.
وقد دعت مصر باستمرار إلى اتفاق ملزم يعالج مخاوفها بشأن الأمن المائي والملء المستقبلي وتشغيل السدود. ومع ذلك، تظل إثيوبيا ثابتة في تأكيد حقوقها في إدارة سد النهضة من جانب واحد. ولا تزال هذه المفاوضات في طريق مسدود، حيث لا يرغب كل جانب في التنازل عن مطالبه الأساسية.
- خاتمة
يمثل سد النهضة الإثيوبي الكبير تحديًا هائلاً في العلاقة المعقدة بين إثيوبيا ومصر. وتسعى إثيوبيا إلى تحقيق أمن الطاقة وتحقيق النمو الاقتصادي، في حين تسعى مصر بشدة إلى الحفاظ على اعتمادها التاريخي على نهر النيل. تعتبر عملية الملء الرابع للسد منعطفا حاسما، لأنها تزيد من المخاطر في وضع محفوف بالمخاطر بالفعل.
ولا يمكن الاستهانة بتأثير سد النهضة على الأمن المائي والزراعة والثروة الحيوانية في مصر. إن العواقب المحتملة لانخفاض تدفق المياه في نهر النيل بعيدة المدى، مما يؤثر على حياة الملايين وسبل عيش أولئك الذين يعتمدون على النهر.
إن الطريق إلى الأمام يكمن في الدبلوماسية السلمية والتعاونية. ويجب على مصر وإثيوبيا والسودان الاستمرار في الانخراط في مفاوضات هادفة والتوصل إلى حل وسط يعالج مخاوف جميع الأطراف المعنية. وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة تتصارع بالفعل مع العديد من التحديات. إن مستقبل العلاقات الإثيوبية المصرية ورفاهية الملايين الذين يعتمدون على نهر النيل على المحك، مما يجعل حل نزاع سد النهضة ذو أهمية قصوى.
المراجع
- The Blue Nile: The Epic Story of a River and Its People" by Alan
- "The Nile: A Journey Downriver Through Egypt's Past and Present" by Toby Wilkinson
- The Ethiopians: A History" by Richard Pankhurst Author: Richard Pankhurst
- Egypt and Ethiopia in the Ancient World: History and Art" edited by Torgny Säve-Söderbergh and Mary
- War over Water: Conflict over the Nile and Its Implications" by Peter P. Rogers, M. Ramachandran, and John W. Mellor
- Nile Waters, Saharan Sands: Adventures of a Geomorphologist at Large" by Martin Williams
- Egypt's Relations with Ethiopia" by Said Shehata
تعليقات